
السلام عليكم ورحمة الله
لا شك أن رمضان هذا العام اختلف عن كل الأعوام التي شهدناها أو التي شهدها معظم الناس الذين تعودوا على رمضان عادي يتكرر كل عام، لكن هذه المرة كان الاختلاف كبير حسب تجربتي، فقد كان أفضل رمضان شهدته في الفترة الأخيرة، لم يكن أفضل منه إلا رمضان تخلله أداة للعمرة، فنسأل الله أن يكتب لنا جميعاً زيارة لبيته الحرام عاجلاً غير آجل.
تعودنا أن يكون رمضان هو شهر للسكينة والتغيير إلى اﻷفضل وشهر للعبادة وتقليل للمخالطة مع الناس ومن المشاوير واﻷنشطة غير الضرورية، إلى أن تأتي الولائم والتي تتركز في نهاية الشهر أو تبدأ من منتصفه، فحسب رأيي أن هذه الولائم تُرجعنا خارج رمضان فهي تشبه أيام الفطر أكثر من شببها بأيام رمضان، لكن ليس كلها سيء، حيث بها اجتماع للأهل وصلة للأرحام وإطعام للناس، لكن أحياناً يكون هذا على حساب باقي العبادات مثل الصلاة وقراءة القرآن، حتى جاء هذا العام بما فيه من الحجر الصحي فمُنعت الزيارات و النشاطات الاجتماعية فاصبح رمضان مثالي بالنسبة لي ولعائلتي الصغيرة.
مع أننا خفنا من البداية من أن لا تكون هُناك صلاة للتراويح في المساجد وباقي الفروض نصليها في البيت، إلا أن الله لم يُحرمنا من صلاة الجماعة واصبحنا نصليها في البيت وكذلك التراويح، فكانت فرصة لمراجعة الحفظ، وفرصة لمن لم تجب عليهم الصلاة في المساجد – من النساء واﻷطفال – أن يشهدوا الجماعات لأول مرة بهذا الشكل والاستمرار، خمس صلوات في اليوم بالإضافة إلى صلاة التراويح، وقد وجدت أن اﻹمامة ليست بالشيء السهل، خصوصاً في صلاة التراويح، فهي تحتاج لتجهيز لمراجعة الحفظ كل يوم، بل أحياناً بين بعد التسليم أثناء صلاة التراويح. كذلك تدارسنا اﻷحاديث الأربعين النووية ابتداءً من الأحاديث الجوامع، وكان من اﻷهمية بمكان دراسة تلك اﻷحاديث، وشكّل لنا دراسة اﻷحاديث بُعد جديد لم نتطرق له من قبل. فكان هذا فضل كبير من الله أن جعل هذا الحبس المنزلي بمثابة تهيئة مناسبة لهذا الشهر العظيم. وكان ختام اليوم بعد التراويح بحضور سلسة قصص بني إسرائيل لنبيل العوضي، وكُنا نحضر حلقتين أو ثلاثة في المرة الواحدة لتتابع القصة وارتباطها ببعض:
العمل كذلك لم يتوقف، بل زادت بركته، مع أن ساعاته قلّت وأصبح عن بُعد إلا أن هُناك إنجاز ربما ينافس اﻷيام العادية، فلم يقل العمل في هذا الشهر ومع زيادة العبادة وزيادة طعمها وتذوقنا لذتها كما لم تكن من قبل. إذاً كانت المشكلة في قضاء اليوم العادي قبل رمضان، توجد أشياء تقلل من الإنجاز في اﻷيام العادية، فهذه فرصة لمعرفتها، كل شخص يستطيع معرفة ماهي اﻷشياء التي تعوق إنجازه وتُعطل له يومه وتجعله يُقضى من غير فائدة كبيرة.
نحن نحتاج لأن يكون شهر رمضان بهذا الشكل فيه انعزال عن كل ما لا يُفيد، مع أن هذا لم يمنعنا من بعض الترفيه، والاهتمام بالأكل وتغيير عاداتنا فيه، حيث غيرنا وقت وجبه الفطور، تركناها بعد صلاة المغرب بفترة، ومع اﻷذان فقط نحلل صيامنا بالبلح ثم شرب كوب من العصير، والتوجه للصلاة وتلك المعدة ترتاح قليلاً لنصف ساعة قبل أكل وجبة اﻹفطار الرئيسة، وقد اكتشفنا أكلات جديدة، وتابعنا المحطة الفضائية الدولية حيث ظهرت كأنها نجم في السماء تجري من الجنوب إلى الشمال، وجدناها في هذا الموقع:
https://spotthestation.nasa.gov/sightings/
وكان كل هذا لأن اليوم طويل لكن استغلاله جعله يمضي سريعاً فلم يكن هُناك أي ملل – على اﻷقل بالنسبة لي- لوجود هذه اﻷنشطة الكثيرة، فأحياناً عندما أجلس للعمل عن بُعد أقرأ وأرد على البريد، ثم أجد متسع قليل من الوقت أُجهّز الحديث من اﻷربعين النووية الذي سوف أقرأه وأشرحه بعد صلاة الظهر، وأحياناً أقرأ المقالات والمدونات، وأحياناً أذهب لسقاية النباتات، وكان أسواء نشاط وأكثره ثقلاً عليّ هو الخروج من البيت للذهاب لشراء بعض المستلزمات من البقالة أو السوق، و في بعض اﻷيام لم أخرج نهائياً من البيت. فحقيقة نحتاج أن يكون رمضان كل عام بهذه الهيئة فيه خصوصية وفيه انعزال من المجتمع وفيه تغيير واستفراد بالنفس، وجلوس مع الأبناء ومعرفة طباعهم ومشاكلهم ورغباتهم وسلوكهم.
نسأل الله أن يتقبل منا أعمالنا وأن يجعله خالصاً له، وأن يُعيد علينا رمضان أعوام عديدة وكل عام يكون فيه رمضان أفضل من الذي قبله، فهو على ذلك قدير.