السلام عليكم ورحمة الله
في عملي الخاص الذي أسسته قبل تسعة أعوام فتحت ملفات ضرائب في ثلاث أو أربع مكاتب: أرباح اﻷعمال، والقيمة المضافة، وضريبة الدخل الشخصي، بالإضافة إلى الضريبة المقدمة، جميعهم مسالمين ما عدا ضريبة أرباح الأعمال الذين يحاولون إظهار أن لدينا أرباح كبيرة فيفرضون علينا ضريبة تساوي أو تزيد عن أرباحنا الحقيقية، ثم أدخل معهم في استئناف لتخفيض تلك القيمة. وفي تلك اﻷيام التي يكون لدي اجتماع أو أستئناف معهم أرجع وأنا محبط بعد الجدال وفقدان اﻷعصاب معهم، فلا استطيع بعدها الذهاب إلى العمل بسبب ذلك ألإحباط الشديد. لكن مؤخراً ظهر في الساحة ضريبة القيمة المضافة، والتي من المفترض أن لا ندفع لها من مالنا، إنما ندفع لها من الزبائن، وقيمتها 17% من أي فاتورة، مثلاً إذا بعنا برنامج أو قدمنا خدمة بقيمة 100 ألف، فإن الفاتورة للزبون تكون 117 ألف، وعندما نتحصل عليها ندفع 17 ألف للضرائب، وكل عامين أو ثلاثة يراجعون الفواتير والعقود. وعندما راجعوا الفواتير والعقود لم يجدوا أي اختلاف يّذكر، لكن أحدثوا اختلاف من عندهم حتى يثبتون أن تقاريرنا غير دقيقة فنُغّرم مبلغ بعد كل مراجعة. كانت الثغرة التي أتوا بها أن الزبون يدفع لنا متأخر، مثلاً قدمنا له فاتورة نهاية الشهر لكنه يدفع بعد شهر من تقديم الفاتورة بسبب اﻹجراءات الداخلية، فقالوا لنا أن هذا التأخير تسبب في عدم دقة الحسابات وكان من المفترض أن ندفع لهم مقدم من مالنا الخاص ثم نتحصل على قيمة الفاتورة من الزبون في أي وقت آخر، تخيل مثلاً أن لديك معرض سيارات وزبون اشترى منك سيارة بقيمة 200 ألف، لكن الزبون اتفق معك أن يدفع لك بعد شهر، فالطبيعي أنك سوف تدفع قيمة 17% للضرائب بعد استلام المبلغ، لكنهم طلبوا منك أن تدفع قيمة 17% مجرد أن استلم الزبون السيارة وقبل أن يدفع! طبعاً طلبهم هذا غير منطقي، لكنهم يريدون إحداث ثغرة بأي طريقة. ومشكلة أخرى كانوا يجادلوني فيها طوال الساعتين التي قضيتها في الاستئناف أن عقودنا فيها تداخل للسنوات وهذا يُصّعب عليهم الحساب، مثلاً عقد بدأ شهر 7 في عام 2019 و انتهي شهر 6 2020 فهذا صعّب عليهم الحسابات وهذه مشكلة تتسبب في أن القيمة غير دقيقة للمراجعة، ومع أن هذا ليس له تأثير في الحسابات إلا أنهم يختلقون المشاكل. حتى أن اﻵلة الحاسبة التي يستخدمونها قالوا أنها غير دقيقة وأعادوا الحسابات بآلة حاسبة أُخرى ثم الموبايل، أي أن طريقتهم جدلية بحتة ليس فيها أي منطق، مع أن الآلة الحاسبة من نوع كاسيو، ولم أسمع أن آلة حاسبة حساباتها غير صحيحة.
هذا الجدال والمناقشات تحدث لي في العام مرتين أو ثلاث على اﻷقل ويأتيني إحباط من أن الدولة بدل تشجيع الصناعة المحلية تفرض عليهم غرامات وعقوبات، وإن لم أدفع هذه الغرامات أو إذا تأخرت في دفعها فإن مصيري السجن. في أحدى المرات كتبت لهم في طلب استئناف أننا نافسنا شركات عالمية في بعض البرامج، واستبدلنا برامجهم ببرامجنا، وقلت لهم أن هذه الشركات اﻷجنبية تُساعدها حكوماتها حتى تنجح، أما نحن فلا يوجد لنا أي دعم أو سند حكومة، لكن لا حياة لمن تُنادي. هذه ضريبة كبيرة لمن يؤسس عمل خاص وسط مجتمع لا يتفهمه ولا يُقدر عمله، ومع الوضع الاقتصادي الصعب هذا يزيد علينا مكاتب الضرائب هذه الوضع صعوبة، ومع أننا في هذا العام بالذات أصبح لدينا عجز في المنصرفات مقابل الدخل، لذلك سوف تزيد علينا هذه الغرامة اﻷزمة سوءاً، وربما يتسبب هذا في تعطيل بعض المشروعات أو أن ننكمش ونصغر مرة أخرى بعد أن توسعنا في العمل مؤخراً، بل سوف يؤثر تأثير مباشرة على الموظفين، فبدلاً من زيادة المرتبات لهم أو الحوافز للعمل في هذه الظروف الصعبة ربما يتسبب هذا في إنقاص قيمة تلك الحوافز.
تجهّزت لهذا اليوم من الصباح بالدعاء وأكثرت منه أن لا ينصرهم الله علي وأن ينصرني عليهم، وتمنيت على اﻷقل أن يؤجل هذا الاستئناف للشهر القادم حتى أكون أكثر قدرة على دفع مبلغ الغرامة، حيث أن هذا الاستئناف تأجل أكثر من مرة حتى وصل إلى أربع أشهر تقريباً، لكن هذه المرة لم يتأجل وذهبت إليهم وكنت متمالك لأعصابي أكثر من المرات الفائتة، ولم أحس بمرارة الظلم مثل ما أحسست به في الجلسات في السنوات الماضية، وبعد أن فرضوا علي المبلغ الذي سوف أدفعه ذهبت إلى مكتب آخر به شخص جديد ليكتب لي تلك الورقة ويختمها، فسألني من أي جامعة تخرجت وفي أي عام، فقلت له من جامعة السودان عام 1999، فذكر لي زملاء لنا ومن الدفعة التي خلفنا يعملون معهم في قسم الكمبيوتر في رئاسة الضرائب، فتجاذبت معه أطراف الحديث ونسيت حالة الغضب والإحباط التي كُنت فيها، ثم ذهبت إلى مكتب آخر ليقسطوا لي ذلك المبلغ، وكنت مهتم لأن أرجع البيت حتى أدرك صلاة الظهر، حيث أتشائم مما يفوتني الصلاة في المسجد أو صلاة الجماعة، فلم أُحاججهم في مدة التقسيط، حسبت أنها سوف تكون قسطين أي على شهرين، لكنهم اقترحوا أربعة أشهر فوافقت مباشرة، ولو قلت لهم قسطوها إلى خمسة أشهر أو ستة لوافقوا، لكن هذا ليس من طبعي، كما أن إدراك الصلاة أهم من ذلك، ثم استلمت الورقة وذهبت مسرعاً إلى البيت وأدركت الركعة الثانية أو الثالثة من صلاة الظهر، فحمدت الله و اطمأننت أن يومي مازال بخير. مع أنه تفوتني الصلاة في جماعة مرات عديدة، لكن هذه المرة بالذات كنت محتاج لهذه الصلاة. ثم تناولت الفطور في البيت ثم وذهبت إلى المكتب وكانت هذه أول مرة أذهب إلى المكتب بعد جدال مع مكتب الضرائب، لكني كُنت ما زلت في تلك الحالة من اﻹحباط، ولم استطيع العمل، فقط أنجزت أشياء بسيطة ورددت على بعض الرسائل، ونقلت حالة الإحباط هذه لأحد زملائنا حيث اشتكيت له من هذه المعاملة من الضرائب وأننا أصبحنا لا نربح من عملنا هذا شيئاً في ظل هذا الوضع الاقتصادي الصعب. رجعت البيت بعدها باكراً، وطوال هذه الفترة كُنت أتذكر الدعاء هل استجابه الله أم أجله إلى وقت آخر، لكن نظرت إلى أن أمر الله كله خير، فاﻷفضل أني تخلصت من المجادلة ومن التأخير و أصبحت أمام الأمر الواقع، وقدر أخف من قدر، حيث أن هذا التقسيط لأربعة أشهر سوف يخفف من اﻷثر السلبي كثيراً لهذا الاستقطاع من مصروفاتنا. وقد تجاوزت هذه الحالة في وقت وجيز بفضل الله وحده، ثم بفضل تلك العبادات البسيطة في كلفتها، و الكبيرة في معناها من ذكر لله ودعاء وإدراك صلاة الجماعة وحُسن الظن بالله أنه لن يُضيعنا حتى لو كادتنا السماوات واﻷرض.
في صباح اليوم التالي كنت في غاية النشاط والإيجابية وكان لدي دافع كبير للعمل، وهذا يحدث كثيراً حيث بعد يوم محبط أو يوم إجازة أو حتى يوم مرض يكون لدي نشاط ورغبة كبيرة في العودة للعمل، وفي الصباح الباكر وجدت محتوى جميل عن أجهزة الكمبيوتر في السبعينيات والثمانينيات كان قد أشار له اﻷخ عبدالله المهيري في تدوينة حضرت حلقة بالصباح وادخرت أخرى أشاهدها بعد العصر أثناء العمل، وثالثة بعد الرجوع إلى البيت. وفي مساء الخميس هطلت علينا أمطار في نهاية هذا الخريف بعد انقطاع وجفاف اﻷرض، فأنستني كل هذه الهموم وقلت أن هذه كلها نعم من الله واستجابة للدعاء أن غير حالنا من ضيق إلى انشراح، وتذكرت مقالة قالتها اﻷخت أسماء في مدونتها وهي “لا شك أن الإنسان بسيط جدًا، معظم أمانيه الباهظة لا يكون لها فائدة واضحة سوى تغذية عواطفه واحترامها بدون كثير تساؤل” فلم يمحو إثر هذا الخسارة التي تسببت لي بسبب مكتب الضرائب عقد لمشروع جديد أو حتى نجاح لأحد برامجنا، إنما كان لقاء مع شخص جديد ذكرني بزملائي في الجامعة، ومحتوى عن أجهزة كمبيوتر ارجعني ثلاثون عاماً لأيام جميلة قضيتها مع كمبيوتر صخر، وأمطار غسلت أرواحنا، ونبات جديد زرعناه في البيت قبل خمسة أشهر حصدناه بعد هذا اليوم الماطر، فهذا ما غذى روحنا، وكل ذلك فضل من الله لا يستطيع منعه منا من ظلمنا من مكتب الضرائب، بل ربما هم في ضيق من ظلمهم للناس وأخذهم أموالهم بغير وجه حق، ونحن في سعة وانشراح بنعم الله بالرغم من ظلمهم لنا، ونحن نعلم أن الله لا يظلمنا، وكما قال الله في الحديث القدسي عن دعوة المظلوم: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا، ففجوره على نفسه. فنسأل الله تعالى أن لا نظلم أحد ولا يظلمنا أحد. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثةٌ أقسِمُ عليْهنَّ: وذكر منها: ولا ظلِمَ عبدٌ مظلمةً فصبرَ عليْها إلَّا زادَهُ اللَّهُ عزًّا.
اليوم السيئ مع مكتب الضرائب كان يوم اﻷربعاء، والأيام الحسنة التي تلته هي الخميس، ثم اليوم الجمعة، وأتوقع أن يكون يوم السبت حسنً مثلهما، فنسأل الله أن يُبارك في أيامنا ويجعها كلها في طاعة له.
أعانك الله أخي. وسبحان الله عندما قرأت تفاصيل يوم المراجعة فكرت في يوم الأربعاء وكان. أنا لا أحب يوم الأربعاء.
خشخشهم
هل تقصد دفع رشاوي لهم؟
هم لديهم طريقة للانتفاع بطريقة غير مباشرة بأن أتعامل مع مكتب مراجع للضرائب، وهو شخص نزل معاش كان يعمل مع الضرائب حتى ينتفع، فهم يسوقون لذلك. لكن المشكلة أنه يخفض من قيمة الغرامة ولا يلغيها ثم يأخذ أتعاب، ربما يكون المجموع هو نفسه الغرامة اﻷصلية
هذه ليست رشاوي، اسمها قطع طريق، و يطبق عليهم شرعا حد قطع الطريق و الفساد، اما انت فليس عليك ذنب لانك لن تأخذ حق غيرك و لن تخفض اقل من المفروض دفعه وجوبا.
بعض المشايخ لايميز بينها وبين الرشاوي لضعف الفقه لديهم، ثم يحتج مرة اخرى بانك تربي عادة لديهم، أي تفتن فتنة جديدة، و هذا ايضا غير صحيح، فهم مجبولون علىها منذ زمان.
بالنسبة لي انا لا اعمل عمل يحتاجني الى المرور بمكاتب حكومية بالمرة، و حتى ارفض رفضا قاطعا العمل مع من يعمل العقود الحكومية لهذه الاسباب، اما عليك ان تخشخش او لا تعمل.
المشكلة أن من يقطع الطريق هو من يُمثّل الحكومة نفسها، فإما أن تكون هذه هي التوجيهات من هيئة الضرائب أو أنهم يتصرفون من أنفسهم لزيادة الدخل ثم ليُحفزون عليها.
لا يوجد بلد في العالم يقطع مطرح الضريبة ليصل لكامل قيمتها
المشكلة بالموظفين
يفعلون ذلك بغرض إرغامك على الدفع تحت التربيزة، للأسف هذا يحدث في كل مؤسسات الدولة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا لا يوجد رقيب على هذه المؤسسات؟ فساد تزكم رائحته الإنوف!
هل ضريبة القيمة المضافة 15% أم 17%؟
على العموم نحن المسلمون علينا شيء يسمى (الزكاة) أما (الضرائب) فهذا أمر تفرضه القوانين.. أتوقع أنك فهمت ما أرمي له.. جد لك حلاً.
شيء أخير عندما يتحسن وضع شركتك المادي عين لك مستشار قانوني أو تعامل مع مكتب محاماة.
مضى وقت طويل منذ آخر تعليق لي هنا، أتمنى لك وافر الصحة وراحة البال.
مرحباً بك يا أخ محمد، ضريبة القيمة المضافة 17% أما أرباح اﻷعمال فهي 15% وقد زادت هذا العام إلى 30%
نعم فهمت ما ترمي إليه، وقد سمعت فتاوى حول موضوع الضرائب هذا
هذا ما يدفع الكثير من الناس الى التهرب الضريبي أوالدفع(تحت الطربيزة)،الامر الذي يؤدي الى خسارة الدولة، جزاك الله خيرا على صدقك، وعوضك خيرا مما أخذ منك.
ــاﻵلة الحاسبة التي يستخدمونها قالوا أنها غير دقيقة 🙂
نعم صحيح، هم يريدون الانتفاع، وقد قالوا لي في المرة اﻷولى يجب أن يكون معي مراجع، والمراجع هو شخص كان يعمل في الضرائب ثم نزل إلى المعاش وفتح مكتب استشارة ضريبي. المشكلة الكبيرة أن عددهم كبير جداً ومكاتبهم كثيرة، لذلك فإن جزء كبير مما يدفع للضرائب يذهب منصرفات ومرتبات لهم ولا تصل إلى الدولة، خصوصاً مع شركات صغيرة مثل شركتي مبالغها بسيطة ربما لا تكفي مرتباتهم، والمشكلة أن لديهم حوافز كلما استطاعوا الحصول على مبالغ أعلى من الشركات