السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لعل الصداع العنقودي أثر في تخطيطي و أهتماماتي في هذا الشهر وربما يؤثر على باقي العام، لكن للأفضل بإذن الله. كل ابتلاء من الله يجب أن نتفكر فيه ونعرف ما سببه وماهي رسالته، ولعل الله أرادني أن أغير اسلوب حياتي ومعي آخرون من عائلتي ومن زملائي وحتى من يقرأ هذه المدونة أن يغير طريقة حياته للأفضل حتى لا يُصيبه من أمراض وأعراض هذا العصر الذي أثرت فيه التقنية والحداثة والمدنية تأثير سلبي على أجسادنا.
ابتداءً نُريد أن نعرف ونتأكد ونتوقف ونتفكر في خلق الله لأجسادنا وما أودعه الله تعالى لنا من صفات ومن ميزات ونعم علينا كما قال الله تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. فنُريد أن نعرف ما هذه الطبيعة والفطرة التي خلق الله أجسادنا لها، وما هي اﻹمكانات التي نستطيعها، ولمعرفة ذلك يمكن دراسة إمكانات الجسم البشري من ناحية وظيفية، كذلك يمكن دراسة تاريخ اﻷقدمين وطريقة عيشهم وأنشطتهم، كذلك يمكننا مقارنة ما نستطيعه مع ما يستطيعه غيرنا ممن كانت طبيعة أنشطتهم في استخدام لإمكانات جسدية أكثر منا.
كُنت أبحث اليوم عن فوائد المشي فوجدت طبيب يتكلم عن أن الإنسان صُمم ليستطيع المشي لمسافة… لكن أود إعادة صياغة جملته هذه بأن الإنسان خُلق ليستطيع المشي لمسافة خمسة كيلومترات ونصف في الساعة لمدة أربعة عشر ساعة في اليوم، أي يمكنه قطع مسافة 80 كيلومتر في اليوم، فهذه هي طاقتنا الجسدية، لكن هل نستطيع ذلك في هذا العصر! باستثناء الرياضيين، نحن نتكلم عن معظم الناس ممن يدرسون في جامعات أو يعملون في مكاتب مغلقة، ويقودون سيارات ويستقلون وسائل المواصلات العامة والاتصالات واﻹنترنت للتنقل وللبيع والشراء والعمل وقضاء معظم أنشطتهم اليومية، وما زاد الطين بلة العمل من البيت. فجميعها وسائل تمنع أو تُقلل الحركة وتحول دون استخدام أجسادنا وعضلاتنا ومفاصلنا بالشكل المثالي، بل حتى رئتينا إلى أقل ما يمكن، كأنك تُشغل جهاز بأقل استهلاك للطاقة. لكن هذا يعود سلباً على الجسد الذي يبدأ بالاضمحلال عضواً عضواً في حال لم يُستخدم.
ما يستطيعه اﻹنسان بالفطرة من إمكانات جسدية مثل المشي لمسافات طويلة والجري ولا نقول تسلق الجبال بل على اﻷقل صعود الجبال والمرتفعات، وبناء مسكن بيده، وتحمل الحر والبرد وخوض الحروب وإسعاف المصابين، و التعامل مع الحيوانات اﻷليف منها والمتوحش، وحرث اﻷرض للزراعة والحصاد، وغيرها من اﻷنشطة الفطرية، فنجد أن معظم هذه اﻷشياء أصبحت حكراً على قليل من الناس، واﻷكثرية لا يستطيعون فعل كل هذه اﻷشياء، لكن هل يكفي أن تنحصر اﻹمكانات الجسدية عند قلة من الناس، ويبقى الآخرين -الذين خلقهم الله بنفس الهيئة واﻹمكانات- أن يصبحوا متفرجين ومستغنيين عن طاقتهم هذه! بدلاً من أن يمشوا مستقيمين لمسافات طويلة يجلسوا منحنيين ليفقدوا لياقتهم البدنية عام بعد عام، لتصبح معظم حركتهم الجسدية هي الضغط على زر ماوس و اختيار وتشغيل محتويات في شاشات لمس! وحتى اﻷكل والشرب تغير عن الفطرة ليدخل عليه الغذاء المصنع سهل الهضم قليل اﻷلياف والمواد الكيميائية والملونات والمحسنات.
المشكلة ليست في من تقدم بهم العمر، فمن تجاوز الثلاثين وخصوصاً من تجاوز اﻷربعين فغالباً عاش حياة طفولته وجزء من شبابه في حياة قاسية وأكثر خشونة مقارنة بالحياة السهلة اﻵن قليلة الحركة والنشاط، فعلى اﻷقل هم لديهم تجارب وخبرة ويعرفون إمكاناتهم ويمكن بسهولة الرجوع للأنشطة القديمة إذا لم تكن قد أصابتهم علة جسدية تمنعهم من ذلك، لكن المشكلة في من بدأ حياته منذ الصغر بالحياة السهلة بين التقنية، فكيف له أن يغير حياته و طريقة نشاطاته إلى نشاطات فيها حركة جسدية وخشونة أكثر.
هدفي في هذه الدراسة أن أغير لنفسي ولغيري إسلوب الحياة الحالي ليرجع لفطرة الإنسان الطبيعي والاستفادة والمحافظة على إمكانات أجسادنا قبل أن نفقدها مع التقدم في العمر، و قبل الدخول في دوامة العمل والحياة العملية ومتطلبات المعيشة. ونذكر هُنا مقولة سلمان الفارسي لأخيه لأبي الدرداء -رضي الله عنهما- “إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ”، وقد صدّقه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال “صدق سلمان“. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما بلغه أن أحد المسلمين يقوم الليل كله ويصوم الدهر ويختم القرآن كل ليلة، قال له: [فلا تَفْعَلْ، قُمْ ونَمْ، وصُمْ وأَفْطِرْ، فإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا]. فنريد أن نفكر كيف نُعطي جسدنا حقه في هذه المقالة.
جانب آخر سمعته أن اﻷطفال الذين يعيشون في بيئة طبيعية فطرية غير معقمة و يختلطون ببعضهم وتصيبهم اﻷمراض البكتيرية أقل عرضة للسرطان من الطفل الذي يعيش في بيئة نظيفة ومعقمة، فحتي مقاومة الجسم للأمراض يمكن تمرينها لتصبح أكثر فاعلية بدلاً من الاعتماد كلياً على الأدوية والمعقمات، وقد ظهر جلياً من جائحة كورونا حسب اﻹحصاءات أن أكثر اﻹصابات كانت في الدول المتقدمة أما الدول اﻷقل نمواً فنجد أفرادها أكثر مقاومة لهذا المرض، لكن ربما لدرجة الحرارة أثر حيث أن أكثر الدول إصابة هي دول أوروبية وأقلها دول أفريقية.
التحدي اﻵن هو تغيير إسلوب الحياة دون تغيير العمل أو التأثير عليه أو التقليل منه، خصوصاً لمن يعيش في وضع اقتصادي صعب فليس له مساحة من الوقت اﻹضافي لإضافة أنشطة تتطلب مساحة زمنية كبيرة أو تكلفة مادية إضافية، أو وضع اجتماعي يصعب معه أي تغيير، أو التزامات موكلة له تجعله أقل اهتماماً بنفسه.
هذه الخاطرة والفكرة لم تختمر بعد ولم تكتمل أطرافها، لكن رأيت أن أبادر بما فكرت فيه وتوصلت إليه من تعريف المشكلة لعل غيري ينتبه لها ويرشدنا إلى وسيلة جربها أو فكرة يمكن تطبيقها ونفيد بها مجتمعنا.
كان يقول الناس في مدينتنا في بداية انتشار كورونا: هذا مرض لا يصيب إلا المنعمين؛ أما نحن فلنهتم بالملاريا والكوليرا وحمى الضنك وفيروسات من مقامنا! ورغم أني أجد جهلًا مريعًا في هذه الكلمات ولا أوافق على سياسة الاستهتار إلا أنني أعترف أنها تلمس نوع من الحقيقة، الأجساد التي تعرضت لأمراض أشد وأكثر تكون مقاومتها أقوى.
كانت عمتي لأمي الله يخليها تقول بدون ولا ذرة تصديق وتأنف من أي محاولة للتباعد وهي امرأة كبيرة عجزنا عن اقناعها: لا يوجد شيء اسمه عدوى، كنتُ ممرضة أمي في شبابي بالقرية وهي مصابة بالجذام. ولم أصب به ولا مرة في حياتي. مستغربة منا ومن ضعفنا ومن تساقط الكثير ممن نعرفهم في الخارج تحت وطأة كورونا، وتصمت باستهجان غير متقبل للفكرة.
بشكل عام حياة المدن أنعم بكثير من القرى، وحياة التكنولوجيا تحول الانسان ببطء إلى آلة؛ الموضوع مخيف ويجعلنا نفكر. سأنتظر جزءًا ثانيًا من هذه المقالة، كيف يمكن أن نعيد تشغيل أجسادنا على النظام القديم؟
من وجهة نظري المشي أول خيار، يتم استبدال وسائل النقل به، وساعة واحدة من اليوم للتفرغ له إن كان العمل من المنزل، وضع أوقات ثابتة للوجبات وهذا شيء يضبط معدل النشاط في الجسم، ثم وأخيرًا من المهم أن يعرف أصحاب المكاتب نظام الخمس دقائق التي يتم فيها تغيير وضعية الجسد والقيام بتمارين تمدد تعطي الجسم شعور بالانتعاش.
أنتي كشفتي موضوع التدوينة القادمة يا أخت أسماء، وهي مبادرة للمشي، إن شاء الله سأكتب عنها بعدما أنتهي من البحث وقراءة ومشاهدة بعض المعلومات عن فوائد المشي حتى أكتب كلام يكون مقنع للناس لهذه المبادرة
حسنًا🤭
بالتوفيق لك في مسعاك💪