مرّ عام بدون سفر

السلام عليكم ورحمة الله

هذا العام 2022 لم نُسافر فيه وما زلنا نتحسر على عدم السفر، حيث خططنا أكثر من مرة لكن لم نستطع تحقيق خططنا في السفر هذا العام، ومع أننا في السابق لم نكن نُسافر لكن بعد أول سفر لنا داخل بلدنا أصبح شيء لابد من تكراره كل عام. وهذه مشكلة أن يتعود اﻹنسان على شيء وعادة خصوصاً إذا كان بها كثير من المنافع والمتعة والتغيير لرتابة الحياة فيتحسر إذا لم يستطع تحقيقها مرة بعد مرة. نهدف أن تكون هُناك رحلة سفر داخلي مرة في العام لمدينة أو قرية لم نزرها من قبل أو منطقة زرناها وأصبح لنا فيها ذكريات ونُريد تكرار هذه الذكريات.

في عيد اﻷضحى الماضي والذي كانت إجازته طويلة، حيث ألصقت بها إجازتي نهاية إسبوع فأصبحت اﻹجازة تسعة أيام متواصلة، فكان من الصعب قضاءها من غير أن نُسافر، لكن في آخر يوم قررنا عمل رحلة إلى منطقة جنوب الخرطوم اسمها بتري، تتميز بساحل رملي طويل على النيل اﻷزرق ولا تبعد عن الخرطوم أكثر من 20 كيلوتر ولم يسبق لي أن زرتها من قبل، فخرجنا في الصباح الباكر من غير تخطيط مُسبق ومعي إثنين فقط من أبنائي، أعتقد أن الباقين كانوا نيام. في الحقيقة لم أوثق لهذه الرحلة في المدونة، مع أن التوثيق بالصور يكفي إلى حد ما، لكن السرد القصصي إذا لم يوجد فسوف تُمحى كثير من تفاصيل هذه الرحلة، لذلك بعد أن ترددت في كتابتها ها أنا أكتبها حتى توثق بكامل التفاصيل لنقرأها لاحقاً ويقرأها من بعدنا ونُظهر بعض معالم البلد لمن هم في الداخل والخارج.

كان اليوم ماطراً أو اليوم الذي قبله – مضت أكثر من خمسة أشهر لتلك الرحلة- لكن كانت السماء غائمة والصباح باكر والشوارع فارغة حيث كان اليوم الخامس أو السادس لعيد اﻷضحى وكان يوم خميس، فتوجهنا جنوباً مهتدين بخريطة قوقل، إلى أن وصلنا قرية بتري نزورها لأول مرة، لكن لم نجد المدخل المناسب للوصول للشاطئ، فقط كانت معظم الطرق بها برك من ماء المطر وبعضها موحل، إلى أن وصلنا منطقة بها ميدان مفتوح يقود إلى مزارع ثم إلى النيل. أوقفنا فيها السيارة ثم واصلنا بأرجلنا اتجاه تلك المزارع وطريق مفتوح يقود إلى نهر النيل، رائحة الطبيعة والمطر والنباتات كانت جميلة جداً، إلى أن وجدنا عمال يصنعون الطوب الحراري بالقرب من البحر ويُسمى عندنا كمائن الطوب، حيث يُصنع من الطمي الذي يحمله النيل من هضبة الحبشة، وعندما وصلنا شاطئ النيل وجدنا الماء مرتفع في بداية موسم الفيضان، لذلك كان الشاطئ الرملي قد تغطى بالفيضان، فرجعنا وأخذنا صور لكمائن الطوب تلك، وقد فرح ابني محمد بها حيث رأها أول مرة وعرف كيف يُصنع الطوب:

مزارع

الطريق إلى النيل

تجهيز الطوب

كمينة الطوب قبل حرقها

كمينة الطوب أثناء حرقها

الطوب بعد حرقه بأيام

شاطئ النيل أثناء الفيضان

كانت رحلة الخروج من القرية أصعب من الدخول لها حيث تُهنا عن الطريق وكانت الطرقات ملأى بالماء وكانت مغامرة أن ندخل بالسيارة في بعض البرك المائية التي لا نعرف عمقها. عندما رجعنا إلى الطريق قررنا الذهاب جنوباً والاستكشاف بدلاً من الرجوع إلى البيت، ثم قررنا أن نخرج خارج ولاية الخرطوم، حيث تبقى فقط حوالي عشرين أو ثلاثين كيلومتر للخروج من ولاية الخرطوم والدخول إلى ولاية الجزيرة، فأصبحنا نتجه جنوباً نستكشف المناطق في هذا الجو الجميل ونُتابع خريطة قوقل لنعرف هل وصلنا خارج حدود الولاية أم لا، وقررنا أن نفطر في مطعم في بداية ولاية الجزيرة.

وولاية الخرطوم هي أصغر ولاية في السودان وأقرب ولاية لها هي ولاية الجزيرة حيث تبعد من بيتنا (ونحن في شمال مدينة الخرطوم) حوالي 50 أو 60 كيلومتراً فقط. ومساحة ولاية الخرطوم هي 22 ألف كيلومتر مربع أي ضعف مساحة دولة قطر التي أبهرت العالم باستضافة كأس العالم 2022. نسكن في النقطة الصفراء في الخريطة والرحلة كانت للجنوب الشرقي – النقطة الخضراء في الخريطة-

بعد ذلك وصلنا إلى مطعم وفطرنا وشربنا الشاي ثلاثتنا، ثم رجعنا ولا أذكر هل توغلنا جنوباً في ولاية الجزيرة بحثاً عن سوق للخضار أم أن السوق كان شمالاً في طريق الرجوع. بعد أن وجدنا سوق الخضار اشترينا بعض الخضار والفواكه، لم أعد أذكر بالضبط ماذا اشترينا، لكن بالنسبة للفواكه غالباً ما أشتري الموز فهو أكثر فاكه أحبها وأشتريها.

كنا نتوقف في كل معلم يلفت انتباهنا مثل قناة مائية تُسمى ترعة تمر تحت الشارع بطريقة هندسية غريبة يصعب شرحها، وفي أحد الميادين أثناء الرجوع تركت يوسف يتعلم قيادة السيارة، ثم رجعنا إلى البيت ووصلنا بعد صلاة الظهر، أي أننا مكثنا نصف النهار في هذه الرحلة الاستكشافية غير المخطط لها، ومع أننا خرجنا من ولاية الخرطوم إلا أننا لم نتجاوز مسافة السفر حيث قطعنا جنوباً 60 كيلومتر ومسافة السفر التي يقصر فيها المسافر الصلاة هي 80 أو 90 كيلومتر، لذلك لم نعد هذا سفر، إنما رحلة لخارج الولاية.

هذه بعض الصور من الرحلة جنوباً:

يمر الماء بين الحوض اﻷول والثاني من القناة من تحت الشارع المنخفض

توقفنا قرب سكة القطار

الفطور: فول وبيض وطعمية

سوق خضار بولاية الجزيرة