رحلة إلى مدينة بورتسودان

السلام عليكم ورحمة الله

في إجازة العام الماضي طلب أبنائي أن يسافروا خارج الخرطوم، فلم اجد خياراً مناسباً للسفر، حيث أن السفر عبر البر به كثير من المشاق، أما هذا العام بفضل الله فقد تمكنت من التخطيط لرحلة إلى بورتسودان وتنفيذها في وقت وجيز حتى لا يأخذ التخطيط وقتاً طويلاً فتتجمع العقبات كما تجمعت العام الماضي.

هذا كان أول سفر لهم منذ أن رأوا الشمس، وتعمدت أن يكون أول سفر لهم داخل هذا القطر والذي هو موطنهم، حتى يتسنى لهم معرفة بلدهم بأرضه وتاريخه وأبعاده.

هذه لم تكن أول رحلة لي إلى مدينة بورتسودان حيث سافرت إليها أول مرة عام 2008 لكن مكثت فيها يومان فقط، أما هذه المرة فقد كانت الرحلة أسبوعاً كاملاً، وقد سافرنا بالطائرة، ومسافة الرحلة كانت ساعة واحدة فقط، مقارنة بعشر ساعات في حال السفر عن طريق البصات، الذي ربما لا يتحمله اﻷطفال.

مدينة بورتسودان تقع شرق السودان على الضفة الغربية للبحر الأحمر، وهي مدينة حديثة النشأة، تم تأسيسها عام 1905 لتكون ميناء للسودان بديلاً عن ميناء سواكن العتيق والذي تضيّق مدخله الشعب المرجانية.

http://wikimapia.org/#lang=en&lat=19.656814&lon=37.174988&z=10&m=b

Portsudan

أهم المعالم في مدينة بورتسودان هو البحر اﻷحمر، حيث أن معظم مدن السودان تقع للداخل بعيدة كل البعد عن البحر وجزء كبير منها يقع على شاطيء النيل وجزء آخر يقع في مناطق صحراوية ومدارية. والمسافة من العاصمة الخرطوم إلى بورتسودان حوالي 650 كيلومتراً، لكن عن طريق البر فهو أطول من ذلك، حيث يتبع الطريق مسار النيل إلى نصف الطريق تقريباً.

korneash

أول ما لاحظناه حين نزلنا من الطائرة في مطار بورتسودان ذلك الجو المختلف المشبع بالرطوبة، حيث اعتدنا في الخرطوم على الجو الجاف، ورائحة البحر أيضاً تعيد لنا ذكريات المناطق الساحلية التي زرتها سابقاً، مثل مدينة جيزان التي مكثت فيها عدد من السنوات في الصغر. أفضل وقت لزيارة مدينة بورتسودان هو الشتاء، حيث تتميز بشتاء معتدل رطب، أما في الصيف فحتى أهلها لا يطيقون ذلك الصيف شديد الرطوبة، وبعضهم يُسافر إلى مناطق أخرى أكثر اعتدالاً مثل مدينة سنكات الجبلية أو كسلا أو حتى الخرطوم. في الخرطوم درجة الحرارة أعلى، لكن مع الجفاف يكون الحر اكثر احتمالاً.

من الملفت للإنتباه كثرة طيور الغراب داخل المدينة، والتي في طيرانها تمر قريباً من الناس، وتأكل باقي الطعام في المطاعم، كذلك توجد طيور تشبه النورس – لا أدري إن كانت نوع من النورس أم لا- وهي منتشرة في ساحل البحر خصوصاً في محل صيد اﻷسماك.

من اﻷشياء التي استمتعنا بها كانت مطاعم السمك والتي تقدم أسماك تختلف عن ما اعتدنا عليه في الخرطوم، وكان أفضل سمك تناولناه ما يُعرف بالسمك الناجل، وقد اكتشفنا طريقة أكثر متعة للحصول على وجبة سمك، وكانت بالصدفة، حيث اشتريت جمبري من احد المطاعم واعتذر أن السمك قد نفد، فذهبت إلى مطعم آخر وأنا احمل كيس الجمبري، فسألتني إحدى العاملات: هل تريد تنظيف هذا السمك، فقلت لها لا اريد أن اشتري سمك، فعرفت أنهم معتادون أن يأتي لهم الناس بالسمك الذي يريدون تناوله فيقوم المطعم بطهيه لهم، والتكلفة أقل بكثير عندما تشتري السمك بنفسك. فمنذ ذلك اليوم اصبحنا نذهب أولاً لمحل بيع السمك في محل الصيد بالسقالة، نتفرج أولاً على أصناف السمك الموجودة وألوانها المختلفة ثم نشترى واحدة، فنذهب بها للمطعم – الذي يقع على بعد مئات اﻷمتار- فيقوم بطهيها وتقديمها لنا في المطعم، أو نذهب بها للبيت. ايضاً رأينا سمك التونة لأول مرة، لكن قال لنا صاحب السمك أنه لا يصلح للقلي. من اﻷسماك التي وجدناها كانت: السمك الحجري، والقشري، والناجل، والفارسي، وسمك التونة.

من الملاحظ أيضاً أن المدينة ذات كثافة سكانية قليلة، قرأت أن بها حوالي نصف مليون نسمة فقط، ولا يوجد ازدحام مروري ولا صفوف في أي مكان، لكن ربما يتغير الوضع قليلاً في فترة الشتاء أثناء مهرجان السياحة الذي يُقام كل عام في شهر فبراير

portsudan-road

من اﻷشياء المميزة كانت رحلة بحرية قصيرة لرؤية الحيد المرجاني الذي يحد ساحل بورتسودان ومابه من أسماك، مع أنها كانت رحلة مخيفة في ذلك القارب الصغير إلا أنها كانت من أهم معالم تلك الرحلة. ويوجد في منتصف القارب قاعدة زجاجية تسمح لنا برؤية قاع البحر والشعب المرجانية.

استمتع اﻷطفال استمتاعاً كبيراً بهذه الرحلة إلى مدينة بورتسودان، وقد استمتعوا باللعب في البحر، وقد استفادوا فوائد علمية كثيرة جداً أولها المعلومات الجغرافية حيث أنهم أول مرة يروا بحراً ممتداً ذو مياه مالحة، ومياه شفافة، يختلف اختلافاً كلياً عن نهر النيل. كذلك عرفوا معلومات تاريخية عن هذه المدينة، ورأوا حضارة مختلفة، ورأوا الُشعب المرجانية في البحر، ورأوا السفن التي تمر خارج المياه اﻹقليمية، وحدود السودان في البحر، فكلها أشياء سوف يتذكرونها لفترة طويلة، وقد عدنا كذلك بحصيلة كبيرة جداً من الصور الجميلة  وبعض اﻷصداف التي التقطناها من البحر.

shells

وعدت أبنائي للذهاب إليها مرة أخرى بعد عدة سنوات، حيث أن اﻷجمل من السفر إلى منطقة جديدة هو العودة إليها مرة اخرى للذكريات الجميلة ومشاهدة اﻹختلاف.

ملحوظة:

وضعت بعضاً من الصور لهذه الرحلة في موقع فليكر في هذا الرابط

الكاتب: أبو إياس

مهندس برمجيات

18 رأي حول “رحلة إلى مدينة بورتسودان”

  1. لقد أعجبني التقرير،لم اكن اعرف كيف اسست مدينة بورتسودان. و ما اعجبني اكثر هو هي قصة شراء السمك و حمله الى من يقوم بتنظيفه و طهيه، هذه غير موجودة في بلادي.

  2. مرحباً بك أخ ماريسي من الجزائر.
    في الحقيقة لم نكن نعرف نحن أيضاً تأريخ تأسيس بورسودان بالتفصيل إلى أن ذهبنا هُناك ودفعنا الفضول للبحث عن تاريخها في اﻹنترنت.
    للأسف لم نستطع الذهاب للمدينة التاريخية (سواكن) والتي تحتوي على آثار قديمة، كان من الممكن أن تضفي للقصة لمحة تاريخية.
    بالمناسبة حاولت أن أتعرف عليك خلال مدونتك، لكن لم أجد تعرفاً لك هُناك. حبذا لو تكلمت عن نفسك قليلاً في المدونة فيعرف القاريء ماهي خلفيتك الدراسية، العلمية، بلدك، وغير ذلك. الطريق الوحيد اﻵن هو أن يقرأ الزائر عدد من تدويناتك حتى يتعرف عليك.

  3. هل تعرف فندقا ممتازا بسعر اقل من ذلك ، شاكر لك تعاونك معي على الاجابة

  4. في الحقيقة الشقق المفروشة سعرفها أقل من الفنادق، ومناسبة أكثر للعوائل، وهي تقع في مناطق داخل البلد بالقرب من اﻷسواق. سعر اليوم للشقة 200 جنيه، والشقة غالباً تكون غرفتين، الشقق ذات الثلاث غرف يتراوح سعرها بين 300 و 350 جنيه تقريباً.
    الفنادق في رأيي تحرم الشخص من رؤية المدينة من الداخل.
    عن نفسي فقد استأجرت شقة، لذلك خبرتي في الشقق أفضل من الفنادق.
    أريد أن أضيف أيضاً أن افضل وقت للزيارة هو عند اعتدال الجو، أي من شهر 10 أو 11 إلى شهر 3، تجنب زيارة بورتسودان من شهر 5 إلى شهر 8

  5. شكرا جزيلا اخي افدتني افادة تامة ، انوي الزيارة لها في منتصف شهر ديسمبر هذا العام ان شاء الله وذلك لقضاء شهر العسل

  6. اللهم آمييين ، برأيك ما هو افضل الاحياء التي يمكنني استئجار شقة مفروشة بها وتكون قريبة من البحر

  7. حسب تجربتي اﻷولى فقد سكنت في حي المطار لكنه في جنوب بروتسودان، وبعيد قليلاً من باقي المدينة، أما في هذه المرة سكنت في ديم مدينة، فهي في وسط بورتسودان وقريبة من الكورنيش ومن السقالة (سوق السمك) وهو شاطيء أجمل من الكورنيش. وفي كلا الحالتين تحتاج لمواصلات من ديم مدينة حوالي 10 دقائق إلى الكورنيش و 15 دقيقة إلى السقالة.
    الكورنيش أجمل مطعم فيه مطعم اﻷكورييوم (المعرض البحري)
    وفي السقالة توجد مراكب لرؤية الحيد المرجاني.
    ايضاً سمعت بحي الخليج فهو قريب من الكورنيش

  8. ثري جدًا ، هذه المدينة تشبهنا كثيرًا لكنَّها أنظف و أجمل 😅
    الغراب الذي في الصورة مثلًا أكاد أعرفه ، تبًا له المزعج 😫
    سمك التونة عندنا كثير جدًا و نسمِّيه ” ثَمَد ”
    أذهلتني صور القارب الذي يحوي أرضية زجاجية تتيح لكم مشاهدة أعماق البحر و الشعب المرجانية فيه ، هذا مذهل حقًا ، الصور في فليكر أسرتني ، يا لهذه المدن الساحلية ، كم هي جميلة و دافئة !
    رائع رائع ، تدوينة جميلة جدًا جدًا ، أستاذ أبو إياس جُد علينا بمزيد من مثل هذه التوثيقات ، أحبُّ التعرُّف على حضارات البلدان المختلفة 🌺

أضف تعليق