سَئِمْـتُ تَكَالِيْفَ الحَيَاةِ وَمَنْ يَعِـشُ ،ثَمَانِيـنَ حَـوْلاً لا أَبَا لَكَ يَسْـأَمِ

tent
المصدر: http://qpedia.org

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

منذ فترة طويلة أصبحت أردد أبيات زهير بن أبي سملى هذه:

سَئِمْـتُ تَكَالِيْفَ الحَيَاةِ وَمَنْ يَعِـشُ     ثَمَانِيـنَ حَـوْلاً لا أَبَا لَكَ يَسْـأَمِ

واصبحت أتسائل ماهي هذه التكاليف التي يقصدها زهير أيام الجاهلية، و ماهي الأشياء التي كانت تنغص حياتهم! هل كانت تأتيهم رسائل مزعجة من الواتسآب أم هل كان لديهم مدارس لأبنائهم، وترحيل لتلك المدارس وواجبات وإستدعاءات لأولياء اﻷمور، وهل كان لديهم ضرائب، وهل كان العمل الخاص يتطلب إجراءات طويلة لسجلات تجارية، وهل كانت لديهم سيارات يحتاجون لعمل إجراءات ترخيص مملة وعقيمة لها كل عام، وتجديد رخصة قيادة كل خمسة أعوام، وصيانة للسيارة، وصيانة للأجهزة الكهربائية، وأدوات كثيرة، وأواني مطبخ، واستخراج شهادة ميلاد ورقم وطني، وبطاقة، وجواز، وعمل تأشيرات دخول وخروج للسفر. وشراء للمأكولات والبقالة كل يوم أو يومين، ومشاوير في منتصف النهار لللحاق بإجتماعات والمرور بزحمة الطريق وإشارات وسائقين مستعجلين خلفك، وآخر يتكلم في الموبايل أمامك، وهل كان لديهم مناسبات اجتماعية كثيرة  وسط أيام العمل فتعطل العمل، أم مناسبات أيام الإجازة فتضيع معها عطلة نهاية الاسبوع.

هل التكلفة في الحياة اﻵن أصبحت أصعب أم في الماضي، هل إذا عاش زهير بن أبي سملى في عالمنا هذا سوف يُنشد نفس هذه اﻷبيات أم أنه سوف يمتلك هاتفاً ذكياً به إنترت وبرامج شبكات اجتماعية يضيع معه وقته وتسبب له التشويش في تفكيره فتفقده موهبته في إلقاء الشعر وتجعله شخص عادي يكابد الحياة اليومية حتى يستطيع أن يسير مع الركب.

تفاصل الحياة في الماضي ليست متوفرة لنا، لم يتم توثيقها بدقة، ولم يتم تصويرها، إنما كانت معظمها تشبيهات وتخيلات لا تعكس الصورة كاملة لما كان يعيشه الناس في الماضي بكامل التفاصيل، ولا ندري كيف كان يقضون يومهم، حيث لم تكن هناك تدوينات أو فلوقات ليوم مثالي لشخص من الماضي.

لكن ما نعرفه أن الأشياء البسيطة واﻷساسيات كان الحصول عليها به صعوبة، مثل اﻷكل وحتى الحصول على الماء العذب، والعلاج والتعامل مع اﻷمراض المختلفة، كلها كانت أشياء صعبة ربما تأخذ منهم وقتاً طويلاً ومكابدة حتى يتحصلوا عليها، حتى أن ذلك أثر على أعداد أسلافنا في الجزيرة العربية وشمال أفريقيا، حيث أنهم كانوا قلة مقارنة باﻷوروبيين في نفس الحقبة الزمنية والذين كانت تتوفر عندهم الموارد و نتج عنها زيادة كبيرة في أعدادهم، خلاف الحياة في الجزيرة العربية وشمال أفريقيا، فكلها صحاري ومناطق مدارية شحيحة الموارد.

التقدم التقني والمعرفي والاجتماعي كان له اﻷثر الكبير في توفير الحياة السهلة لأي إنسان، حيث أصبحت اﻷساسيات مثل المأكل والمشرب والملبس في المتناول، لكن في المقابل أصبحت هناك أعباء إضافية ناتجة عن هذا التقدم، وهي أنك حتى تنعم بهذه الحياة الكريمة السهلة، عليك أن تعمل لساعات طويلة دون راحة ودون إجازات حتى تتمكن من توفير وضع اجتماعي مساوي لمن حولك، وحتى تستطيع توفير متطلبات أشياء كانت رفاهية لكنها اﻵن اصبحت أساسية. و نجد أن بعض الشعوب تعمل بمجهود أكبر للحصول على اﻷساسيان دون تلك الرفاهية، فأيهما أفضل لهم في هذه الحالة: الحياة في المدن المتطلبة للساعات الطويلة والعمل المضني والتعامل مع الروتين الذي يضيع معه العمر دون الإحساس بطعم الحياة، أم العيش في القرى ذات المتطلبات اﻷقل من ساعات العمل والتضحية بتلك الرفاهيات التي ربما لايجدون لها وقت في المدينة بالاستفادة منها. تخيل مثلاً شخص اشترى شقة بمبلغ مكلف كلفه عمل خمس أعوام، ثم يستفيد من هذه الشقة بأن يأتي لينام فقط بعد يوم متعب من العمل، مقارنة بشخص لديه بيت متواضع في قرية يستطيع قضاء معظم وقته فيه.

السؤال اﻵن: هل نستطيع الحياة بدون كل تلك التكاليف بموازنة بين العمل لساعات أقل وتوفير وقت للحياة أم أن العمل أصبح هو حياة الناس في هذا العصر. ما هو الحل، هل الانتقال إلى بلد أو بلدة توفر حياة أسهل مع تقيل مقياس الأساسيات أم اﻹنعزال عن هذا المجتمع الذي لا يترك شخص في حاله ولا يدعك أن تعيش كما تُحب ويفرض عليك حياة صعبة هو نفسه لا يستمع بها.

سؤال آخر: هل الجنة -والتي هي هدف لكل مسلم- هل هي تهدف وتُوصف بأنها بها تعقيد وتقدم لما سوف يصله اﻹنسان في المستقبل من تقنيات أم أنها تهدف بالرجوع للحياة البسيطة لكن بشكل أسهل.

الكاتب: أبو إياس

مهندس برمجيات

7 رأي حول “سَئِمْـتُ تَكَالِيْفَ الحَيَاةِ وَمَنْ يَعِـشُ ،ثَمَانِيـنَ حَـوْلاً لا أَبَا لَكَ يَسْـأَمِ”

  1. >تفاصل الحياة في الماضي ليست متوفرة لنا، لم يتم توثيقها بدقة،
    كم افتقد ذلك
    >هل نستطيع الحياة بدون كل تلك التكاليف بموازنة بين العمل لساعات أقل وتوفير وقت للحياة؟
    1/بالنسبة للموظفين: ممكن عن طريق تغيير مفهوم ساعات الدوام واستبداله بالمهمات، يجب الزام الموظف بمهمة معينة وليس ساعات عمل محددة
    لا يجب ان تكون هناك مشكلة اذا ترك الموظف محل العمل بعد اداء مهمته، بالمقابل يجب عليه اتمام مهمته حتى لو تطلب ذلك بقاءه الى وقت متاخر، (اظن ان هذا يعطي الموظف المزيد من ساعات الراحة(يستفيد الموظف)، ويزيد من سرعة انجاز المهمة(يستفيد صاحب العمل))
    يمكن للموظف الذي يرغب بزيادة دخله اخد الكثير من المهام والعكس ايضا صحيح
    طبعا هذا لا يمكن تطبيقه لكل الوظائف
    2/بالنسبة لاصحاب الاعمال والمشاريع:الامر ليس سهلا، عندما أرى مدى ارهاق زملائي اصحاب الاعمال الخاصة ، اشفق عليهم.
    >الانتقال إلى بلد أو بلدة توفر حياة أسهل مع تقليل مقياس الأساسيات؟
    المشكلة ان مقاييس اساسيات الحياة غير ثابتة و هي في ارتفاع في معظم المناطق، في السابق كان الناس يبنون بيوتهم من الطين والقش (القطاطي) ثم انتقلوا الى بيوت الطين المربعة ثم بيوت القرميد (الطوب الاحمر) ثم الى الاسمنت ومن ثم الخرسانة المسلحة.

    1. >>لا يجب ان تكون هناك مشكلة اذا ترك الموظف محل العمل بعد اداء مهمته
      هذا البند مكتوب عندنا بطريقة مشابهة في شروط العمل في كود لبرمجيات الكمبيوتر، حيث أن تطوير البرامج غير مرتبط بدوام لساعات معينة في اليوم

  2. لكل عصر همومه, على الأقل في الجاهلية كانوا يفكرون في الغزو والمجاعات والأمراض التي لاعلاج لها ….الح

أضف تعليق