قصتي مع حاسوب صخر، الجزء الثالث

Sakhr

السلام عليكم ورحمة الله

هذه متابعة لقصتي مع حاسوب صخر والتي بدأتها في هذه التدوينة، أتمنى أن أتمكن من إتمامها في هذه المقالة.

بعد أن رجعنا إلى الخرطوم انشغلت بالتغيير الجديد والدخول للمدرسة الثانوية وتحديات تغيير المناهج، فلم اهتم كثيراً بالحاسوب ولم أجد له وقت، إضافة لما يتميز به السودان من بيئة اجتماعية  شغلتني عن معظم هواياتي، مقارنة بحياتي التي كانت مُرتبة حيث كُنت وحيداً إلى حد ما، مع أنه كان لدي عدد كبير من اﻷصدقاء في المدرسة، إلا أن المدرسة كانت تقع خارج مدينتنا، أما اﻵن فصار مجتمعي أكبر بكثير بسبب اﻷصدقاء من اﻷقارب والجيران وزملاء المدرسة. أصبح من الصعب التخطيط لأيام اﻹجازة، فمرّت الثلاث أعوام من المرحلة الثانوية بدون أي إنجاز يُذكر في جانب الكمبيوتر، تقريباً أهملته تماماً طوال هذه الفترة.

عند استعدادي للامتحان للجامعة كان الهدف هو الدخول لأحد الكليات العلمية ولم يكن الحاسوب خياراً معروفاً حينها، حيث كان اﻷهل هم من يختارون لأبنائهم تخصصهم في الجامعة، و لم يكن لدينا الحرية الكبيرة كما هي الآن – إلى حد ما-  ولم يكن هُناك ارتباط بطموح الإنسان ورغبته مع نجاحه في تخصصه، لكن فترة اﻹجازة القصيرة هذه بعد الامتحانات سوف يتغير معها كل شيء كما سنرى.

مجرد ما وضعت القلم عن آخر امتحان للشهادة الثانوية توجهت لحاسوب صخر وبدأت مباشرة بكتابة برامج لغة بيسك بطريقة أكثر تقدماً من السابق، وزادت هذه الرغبة فجأة في كتابة البرامج والتقدم فيها، وذهبت إلى مكتبة كانت في وسط الخرطوم اسمها مكتبة القبة الخضراء، كانت للقراءة وليس لشراء الكُتب، كانت مكتبة كبيرة وكُنت اذهب إليها بعد أن انتهيت من الامتحانات، للأسف اﻵن بُني محلها مبنى تجاري. كان في تلك الأيام معرض لبيع الكُتب في فنائها الخارجي، فوجدت كتاب برمجة ألعاب بلغة البيسك ضمن هذه الكُتب التي تباع على اﻷرض، وقد كانت مصادفة عجيبة، حيث لم يكن كمبيوتر صخر يُباع في السودان ولم يكن معروفاً.

بعدما اشتريت هذا الكتاب وكُنت قبله قد أقبلت على تعلم لغة بيسك بصورة مكثفة وكتابة برامج أكثر تقدماً بها وتسجيلها في المسجل، استفدت من الكتاب كثيراً حيث كتبت عدة برامج مشروحة في الكتاب، وكان أهمها برنامج لرسم أشكال تُستخدم في اللعب تُسمى أشباح sprite في لغة بيسك أو هي تابعة لنظام MSX2 وليست في لغة البيسك القياسي، هذه اﻷشكال يمكن أن تكون عربة مثلاً أو دبابة أو لاعب أو كُرة، يمكن التحكم بها للتحرك في الشاشة بواسطة اﻹحداثيات X, Y

بعد كتابة أول ألعاب صرت أكتب في الاسبوع لعبة أو لعبتين جديدتين، منها عنكبوت ينسج خيطاً خلفه وكانت منافسة بين لاعبين أو ضد الكمبيوتر، وأذكر أن الكمبيوتر لا يمكن أن يُغلب لأنه لا يُخطيء، فأضفت له معادلة بها بعض العشوائية حتى يقع في خيط اللاعب اﻵخر ليخسر فتكون اللعبة ضد الكمبيوتر أكثر تعادلاً.  و برمجت لعبة أخرى هي سباق سيارات، وبعض البرامج الثقافية مثل برنامج مطارحة شعرية ضد الكمبيوتر ولعبة اختبر معلوماتك يلعب بها فريقين، وكانت الميزة هُنا أن المعلومات مُسجلة في ملف خارجي يمكن اﻹضافة إليها في كل مرة.

صادف هذا الوقت كأس العالم 1994م وكانت لدينا مناسبة زواج – وقد أخذ التحضير له وقتاً طويلاً- في بيت العائلة الكبير والذي يقع جوارنا مباشرة، بل بيتنا مفتوح معه، ومع أني لم أكن من متابعي كرة القدم – مع إني كنت مدمن للعب الكرة قبل امتحان الشهادة- إلا أن المتابعة لم تكن مسلية، لكن شجعني وجود عدد من الناس يتابعون كأس العالم، وكان فيها اللاعب المشهور مارادونا، فحضرت مبارتين على ما أذكر، وكانت آخر مباراة أحضرها في التلفاز حيث أصبح اﻵن لدي هواية جديدة استمرت عقود دون توقف شغلتني عن أشياء أخرى غير مفيدة.

استفدت من الضيوف الذين كانوا متواجدين بصورة دائمة بسبب مناسبتنا، في أن استعين بهم لتجربة تلك اﻷلعاب وتقييمها، وكان شعوراً لا يوصف أن أنتج برامج وألعاب لأول مرة و أرى الناس يلعبون بها، وكانت مشابهة لألعاب الأتاري الذي تكلمت عنه في الجزء اﻷول من القصة. كان هذا الجمهور دافعاً كبيراً لكتابة مزيد من البرامج واﻷلعاب.

خلال هذه الفترة القصيرة تعلمت البرمجة بصورة كبيرة جداً حتى أذكر أني قرأت كتاب البرمجة بيسك إلى آخره وأصبحت أعرف كل اﻷوامر الخاصة به، فقد كانت لغة بسيطة ومختصرة يسهل التمكن منها قبل أن تصبح لغات البرمجة بحراً يغرق فيه من لا يُحسن العوم. كان لهذا الشهر عظيم الأثر في تغيير أو تحديد مسيرتي المهنية، فقررت مباشرة بعدها اختيار مجال البرمجة، بعد أن اقتنع أهلي بعد ما راؤه من برامج طورتها بجهاز صخر، اقتنعوا وشجعوني على اختيار تخصص الحاسوب، فقدمت إلى الجامعة وقُبلت في جامعة السودان للعلوم التكنلوجيا.

كان التسجيل في شريط كاسيت صعباً للغاية، حيث لابد من البحث يدوياً عن الملف المُراد تحميله، وإذا زاد حجم الملف لا يمكن إعادة تسجيله في نفس المكان حيث يكون أطول ويُمكن أن يمسح جزء من الملف التالي، كان لابد من حفظه في آخر الشريط، فاصبح حلمي محرك أقراص مرنة. في اﻷيام اﻷولى من دراستي في الجامعة وأثناء رجوعي للبيت وجدت في السوق جهاز صخر مستعمل لكنه أحدث به محرك أقراص صلبة وهو MSX AX 350 فبعت جهازي القديم وغامرت بشراء هذا الجهاز والذي كانت به مشكلة في لوحة المفاتيح وكانت به مشكلة في محرك الأقراص نفسه.

sakhr-350

لم تكن لوحة مفاتيح أجهزة صخر قابلة للتغيير، و فكيت الجهاز وحاولت تصليح لوحة المفاتيح وكانت المشكلة أن بعض اﻷسلاك الكربونية مفصول، فصلحتها بطريقة صعبة، فوصلت أسلاك نحاسية مع تلك اﻷسلاك الكربونية الرقيقة المرسومة في لوحة بلاستيكية كما تظهر في الصورة أدناه، فعملت بعض المفاتيح وتبقى مفتاحين أو ثلاثة لا يعملان.

msx-keyboard

أما محرك القرص المرن فكانت به مشكلة، فاشتريت محرك أقراص لكمبيوتر عادي ولم أكن متأكد هل سيعمل أم لا، وأثناء التركيب انقطع سلك التوصيل لمحرك اﻷقراص – لكن كان هذا في صالحي- فعندما أعدت توصيله لم يعمل محرك اﻷقراص، وبما أن السلك مقطوع، فجربت أن أعكس السلكين، فعمل محرك اﻷقراص بفضل الله، فكانت نقلة كبيرة في استكشاف تسجيل البرامج في القرص المرن ذو السرعة الفلكية مقارنة بالمسجل والذي يُسجل الرسمة مثلاً في دقيقتين، فلم أصدق هذه السرعة الهائلة. لكن مشكلة لوحة المفاتيح كانت عائقاً، في هذا الوقت بدأنا استخدام أجهزة الكمبيوتر العادية وكان المعمل في الجامعة به أجهزة من نوع 286 ذات سرعة 10 أو 14 ميغاهيرتز، وذاكرة واحد أو إثنين ميغابايت على ما أذكر، وكانت تعمل بنظام دوس، وبدأنا دراسة البرمجة بلغة باسكال، والتي لم تعجبني حينها مقارنة بلغة بيسك البسيطة فوجدت مع نظام دوس لغة QBasic فصرت أعمل بها ألعاب وبرامج، وكُنت أُفضلها على لغة باسكال، ولم أكن أعرف حينها أني في يوم ما سوف أكتب كتاب عن لغة باسكال اعتبرته بعض المواقع من أفضل كتب لغة باسكال. والذي تُرجم في ما بعد إلى اللغة البرتغالية في البرازيل.

cover

ساهم كمبيوتر صخر في تعلمي البرمجة مساهمة كبيرة، فحين كان الأستاذ يُدرسنا مباديء لغة باسكال كنت قد كتبت ألعاب بلغة بيسك، ثم انتقلت بعدها لتعلم لغة باسكال في فترة وجيزة وكتبت بها عدد من اﻷلعاب، وكان ممنوعاً اللعب في معمل الجامعة، لكن عندما كان يمنع المُشرف زملائي من هذه الالعاب التي انتشرت بينهم، كانوا يفتحون مصدر البرنامج بلغة باسكال و يقولوا للمشرف هذه لغة باسكال وليس لعب 🙂

تحصلت على جهاز كمبيوتر من نوع 486 وانتقلت إلى مرحلة جديدة من معمارية أجهزة MSX إلى معمارية Intel x86 المعروفة إلى اليوم،  وتعرفت قبلها على اﻷخ سفيان وهو يسكن بالقرب منا، وكان لديه جهاز صخر AX 350 وكانت به مشكلة في محرك  اﻷقراص، وعند حصولي على جهاز كمبيوتر 486 دمجنا الجهازين ليصبح كمبيوتر واحد ليست به أي مشكلة من ناحية لوحة المفاتيح ومحرك اﻷقراص، وأظن أن الجهاز لديه اﻵن، لا أعرف هل ما زال محتفظ به أم لا، كان هذا قبل أكثر من خمسة وعشرون عاماً. وودعت كمبيوتر صخر بعد أن قضيت ما يزيد عن سبعة أعوام معه في تعلم البرمجة، وساهم في تقدمي في هذا المجال حيث أنه من يبدأ مبكراً ولو بيوم واحد فقط في أي مجال يمكن أن يجعله هذا متفوقاً على أقرانه لأنه يكون دائماً سابقهم بيوم من الخبرة، شريطة أن لا يتوقف عن التقدم

بعد ما ذكرت في المقالة السابقة أنه لم يتبقى لدي أي أثر ملموس لحاسوب صخر، وجدت قبل قليل في المكتبة كتاب لغة البيسك لجهاز صخر من نوع AX 350 كُنت قد استعرته من اﻷخ سفيان، حيث صرنا نتبادل الكُتب والبرامج، أظن أن كتاب اﻷلعاب كان عنده لأني لم أجده في المكتبة. اختم هذه السلسلة من قصتي مع صخر بصورة للكتاب الذي يحمل معه ذكرياتي لصخر. اﻷخ سفيان، إذا قرأت هذه التدوينة فاعلم أن كتابك موجود معي.

أود بعد الختام إلى أن أشير لنقطة مهمة أرجو التفكير فيها بتمعن خصوصاً للآباء واﻷمهات والمربيين عموماً: عندما طلبت هذا الجهاز كان يمكن أن يُعتبر لعبة مثله مثل أي لعبة أخرى كان يمكن أن لا يشتروها لي أهلي أو يشتروا لي بديلاً عنها هم يروها مناسبة، وبعد أن اشتروا لي هذا الجهاز كان يمكن أن يمنعوني من استخدامه أيام الدراسة مثلاً، وهم في ذلك الوقت لا يعرفون وأنا نفسي لا أعرف أن هذا سوف يُصبح تخصصي ومجالي وهوايتي وموهبتي. فربما يحرم اﻵباء أبنائهم من شيء في الصغر فيكونوا قد منعوا معه مستقبل مشرق لأبنائهم. أن نوفر لأبنائنا ما يطلبوه إذا كان في متناولنا، خير من أن نمنعهم بدون سبب مقنع أو لا نوفر لهم طلباتهم بسبب الكسل، فلعل المستقبل أن يكون في شيء من اﻷشياء البسيطة وحتى اﻷلعاب التي يطلبوها. والتوفيق من الله هو قبل وبعد كل هذا، فقد يسر لنا كل هذه المصادفات والبيئة والتشجيع ثم النجاح في هذا المجال، فله الحمد أولاً وآخراً

هذا فيديو يختصر قصة صخر والعالمية، أرسله لي الصديق: محمد شمباتي:

الكاتب: أبو إياس

مهندس برمجيات

6 رأي حول “قصتي مع حاسوب صخر، الجزء الثالث”

  1. في ذلك الزمن وقبل ظهور الانترنت كانت الكتب بمثابة الكنز تمثل لنا المصدر الوحيد للمعرفة..
    جميل جدا يا معتز انك لازلت تحتفظ بهذا الكتاب فهو يذكرني ببدايتي الأولى في طريق تعلم البرمجة ،فلك كل الشكر والتقدير

أضف تعليق