الصبر من ناحية إدارية

السلام عليكم ورحمة الله

بحكم وظيفتي اﻹدارية في الآونة اﻷخيرة، فقد شهدت مسيرة عدد من الزملاء خصوصاً الخريجين الجدد إلى أن ترقوا في الوظائف المختلفة، وكُنت قريباً جداً منهم وتابعت اختلافاتهم، وطريقة عملهم. وقد وجدت أن من أكثر ما يميز شخص من اﻵخر هو الصبر، حيث أن له أثر كبير في المسيرة المهنية لأي شخص، ويمكن لشخصين يكونان بنفس المؤهلات العملية والخبرة والموهبة أن يتفوق أحدهما على اﻷخر لمن يتمتع منهما بالصبر.

أشياء كثيرة هي التي تحتاج إلى صبر، ابتداءً بالصبر على العبادات، والصبر على عدم المعصية، و مروراً بالصبر على التعليم والتدريب، و الصبر على المهام اليومية، و انتهاءً بالصبر على النجاح، نعم الصبر على النجاح، فبعض الناس يملّ من النجاح في مهمة إذا أصبحت تقليدية أو أصبحت سهلة لا تُرضي طموحه.

يجب أن ننتبه أن نتحلى بميزة الصبر القيّمة هذه في أشياء تستحق، فلا نطلب من شخص أن يصبر على دراسة أو مجال ليس له رغبة فيه، أو يصبر على عمل لا يؤدي إلى نتيجة، أو يصبر على ظلم مثلاً.

مما يُميّز الشخص المُبدع – حسب ما سمعنا- أنه لا يعمل إلا في مجال يحبه، لكن لا يوجد عمل يضمن لنا أن كل تفاصيله وكل أنشطته مُرضية وتقع ضمن اﻷشياء التي نُحبها، لكن علينا أن نصبر على تلك النشاطات التي لا نحبها لأجل أن نعبر بها إلى ما نُحب. ومثال لذلك شخص يعمل في مكان بعيد ويحب عمله، لكنه يكره الموصلات والزمن الذي يقضيه إلى أن يصل إلى العمل، فهُنا نقول له أن يصبر أثناء زمن الوصول هذا لأنه عقبة لا بد من عبورها للوصول إلى مبتغاه. كذلك إذا كان في العمل أشياء غير مريحة مثل الاجتماعات أو كتابة التقارير، أو حتى أشخاص، فيمكن تحملها إذا كانت بنسبة بسيطة، مثلاً يعمل 20% في أشياء لا يحبها مقابل 80% في أشياء يحبها، لكن لا نقول له أن يعمل بنسبة 70% من وقته في أشياء لا رغبه له فيها مقابل 30% مما له رغبه فيه، فعليه في هذه الحال أن يبحث عن عمل أو نشاط به نسبة كبيرة مما يجد نفسه فيه ويصبر وقت أقل مما لا يجد نفسه فيه.

ونختم ببعض ما ذكره الله تعالى عن الصبر في القرآن الكريم:

وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴿٤٥

وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴿١١٥

وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ﴿ ٤٨﴾

الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿٤٢

إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴿١١١

فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ﴿المعارج: ٥﴾

وَالْعَصْرِ ﴿١﴾ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿٢﴾ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴿٣

فرصة لإعادة تقييم استفادتنا من الوقت

السلام عليكم ورحمة الله

في ظل هذه اﻷزمة والحجر الصحي انقسم الناس إلى قسمين رئيسين: قسم قل عمله وقل إنتاجه وكانت فترة الحجر فترة إجازة لا يفعل فيها شيء، وقسم آخر بقي عمله كما هو لم يتغير وربما زاد انشغاله بسبب هذه اﻷزمة، وربما هناك من هو بين القسمين، أي يكون أحياناً من القسم اﻷول وأحيان أخرى من القسم الثاني.

في هذه المقالة أنا لا أتكلم عن الوظيفة حيث أن بعض الوظائف تعطلت أثناء الحجر الصحي وأخرى لا يمكن الاستغناء عنها ويحتاج إلها الناس لحياتهم، مع أن هذا كان هو الموضوع الرئيس الذي نويت الكلام عنه في هذا الصباح، إلا أني غيرته في آخر لحظة لأني وجدت أن التقييم الذي كنت سوف انتهجه لا ينطبق على كل اﻷمثلة، فمثلاً لا نستطيع أن نقول أن من يعمل في بقالة تمد الناس بقوتهم الذي لا يستطيعون العيش بدونه أن عملهم هذا أهم ممن يعمل في التعليم والذي توقف اﻵن أو تعطل بدرجة كبيرة بسبب هذه الأزمة. لذلك احتاج إلى إعادة التفكير وصياغة جديدة لهذا الموضوع ربما في مقالة أخرى. لذلك عزلت درجة أهمية العمل أو الوظيفة – أثناء اﻷزمة- عن هذا الموضوع وركزت على مفهوم أكثر تجريداً، وهو عن الشخص نفسه وعن ورؤيته واستفادته من وقته.

فرصة إعادة التقييم قصدت بها أن يراجع الإنسان نفسه في هذا الاختبار الاستثنائي الذي نمر به، هل جعلنا هذا الوضع نزيد من إدراك أهمية الوقت واستغلاله أم كان عذر لنا لتمضيته بدون فائدة وانتظار رفع الحجر الصحي حتى نرجع ونستفيد من وقتنا. إذا كانت فترة الحجر هي شهر أو شهران أو ربما أكثر، هل سوف نرضى أن تمر هذه الفترة الطويلة من عمرنا بدون فائدة! لو قال لنا أحدهم أن عمرنا سوف يقل شهرين أو سوف نفقد منه شهر، ما هي ردة فعلنا تجاه هذه المعلومة! تخيل أن العالم في سباق ثم فجأة جاءت هذه اﻷزمة وتوقف الناس فترة، ثم رجعوا لمواصلة هذا السباق، عندها سوف لن تعني فترة التوقف هذه شيئاً لأن الجميع توقف نفس المدة الزمنية ثم واصلوا بعد فترة، سوف لن يستفيد متسابق ويتضرر آخر. لكن هذا ليس الحال اﻵن، لا نستطيع أن نوقف العالم بسبب هذه اﻷزمة، ما زال الناس يعملون ويتعلمون ويُنتجون، لذلك بعد أن تنتهي هذه اﻷزمة بإذن الله سوف نجد أن الموازين اختلفت وأن الناس تغيرت بين متقدم ومتأخر، و بين مستفيد ومتضرر.

من يُدرك أهمية الوقت يستطيع أن يتكيف مع كل الظروف بل ظرف كهذا ربما يجعل البعض أكثر إنتاجاً، أو يجعلهم ينجزوا أعمالاً أو أنشطة أو حتى هوايات لم يجدوا لها وقتاً عندما كانت حياتهم طبيعية. لكن ربما كان هذا الكلام متأخراً بعض الشيء، كان يمكن أن نتكلم عن أهمية الوقت مع بداية اﻷزمة، لكن ماذا نفعل بالتقييم مع نهاية اﻷزمة! هل ننتظر أزمة حتى نستفيد من نتيجة التقييم هذه؟

نتيجة التقييم هذه لأزمة قادمة، إنما نستفيد منها عندما ترجع الحياة إلى طبيعتها، فالشخص الذي وجد أن حياته ووقته ثمين ولم يفرط فيه أثناء الأزمة سوف يكون أكثر حرصاً على أن يستمر على هذا النهج عند انكشافها، والشخص الذي وجد أن تقييمه سلبي أثناء الأزمة لديه فرصة أن يعيد التفكير في طريقة حياته ليجد حل لطريقة إدارته لوقته قبل أن يمضي عمره سدى دون أن يستفيد منه فائدة حقيقة ودون أن يفيد الناس والمجتمع ودون أن يحقق الخلافة في اﻷرض والتي هي السبب الثاني لخلق الله لنا، أن نكون خلفاء في اﻷرض.

بالنسبة لي لم أتوقف عن العمل أثناء هذه اﻷزمة، بل حتى أيام الجمعة والسبت صرت أعمل فيها، ربما لدي إدمان للعمل – لكن هذا موضوع آخر يحتاج مقالة منفصلة حول السؤال عن هل إدمان العمل شيء سيء أم به محاسن- لكن مع ذلك لم أستطع إدارة كل الوقت كما تمنيت ولم استطع إدارة وقت أبنائي بالطريقة المثلى، انشغلت بنفسي وبعملي أكثر من انشغالي بباقي أفراد الأسرة، وربما هذا ناتج سلبي عن إدمان العمل. كنت استغرب عن أن البعض أصيب باكتئاب أثناء هذه الفترة، إلى أن جاء العيد وأجزت يومين فقط ولم أفعل فيها شيئاً و أحسست بالملل الشديد والأثر السيئ للعزلة وعدم القدر على للعمل أو الاستفادة من الوقت، ثم عدت للعمل في اليوم الثالث كما تكلمت في تدوينة سابقة لتجربة العمل في المزرعة. وكان نصيبي من التوقف عن العمل هو يومين فقط أثناء هذه الجانحة، أتمنى أن لا يتكرر علي مثلهما، لكن كان يمكن إنجاز أكثر من ذلك، وربما ساهمت بعض الظروف سلباً في التقليل من اﻹدارة المثلى للوقت مثل التحول إلى العمل الفردي أو البيئة الفردية مقابل البيئة الجماعية التي كانت قبل الحظر، لكن هذا ليس عذر، الشخص الناجح لا يبحث عن اﻷعذار، بل يبحث عن الفرص، اﻷزمات بها فُرص، وهذا ليس كلاماً نظرياً بل واقع جربناه و عشناه، ويمكن لأي شخص أن يبحث عن هذا الجانب في أي أزمة.

أحد النتائج المهمة – ربما هي ثانوية، لكن مهمة- وهو الأثر النفسي للاستفادة من الوقت، كلما استفدنا من وقتنا بطريقة مخطط لها وطريقة مرضية أو حتى بطريقة غير مخططة- المهم أن نستفيد- نجد أن لها أثر نفسي إيجابي كبير جداً، وكلما فقدنا الوقت ولم نفعل شيء ولم نفعل ما خططنا له يؤثر ذلك سلباً على تماسكنا النفسي، وهو شيء من اﻷهمية بمكان، مع أن الحالة النفسية ليست هدف، ليس الهدف من عمل اﻹنسان أن يرتاح نفسياً، لكنه أثر وناتج ثانوي مهم مثله مثل أي ناتج ثانوي آخر كإيجاد مقابل مادي بسبب العمل.

النشاطات الجماعية والفردية

السلام عليكم ورحمة اللهteam

تكلمت قبل تسعة أعوام عن الفرق بين العمل الجماعي والفردي بطريقة حيادية، تعكس حالتي حينها، حينما كُنت موظف أو شخص في بداية استقلاله الوظيفي، لكن اﻵن تغير الوضع بعد أعوام من العمل اﻹداري، عرفت أهمية العمل الجماعي، لذلك سوف يكون الحديث فيه تحيّز لصالح العمل الجماعي بناءً على تجربة، لكن مع تعاطف مع النشاطات الفردية، وفي هذه المرة غيرت الإسم من عمل إلى نشاط وذلك لأن النشاط أكثر عمومية من العمل، فيدخل في النشاط الترفيه مثلاً، وهذا ما دفعني لكتابة هذه المقالة.

إذا بدأنا بالجانب الترفيهي فنجد أن النشاطات الجماعية يكون لها طعم أفضل وذكريات أكثر رسوخاً، تخيل شخص ذهب إلى رحلة مع صديق، أو صديقين مقارنة بشخص ذهب مع عدد كبير من اﻷصدقاء أو كل زملاء العمل، أو رحلة عائلية مقارنة برحلة فردية أو بها أفراد قليلون، فنجد – حسب تجربتي- أنه كلما كان العدد كبير كان الاستمتاع والفائدة من الرحلة أكبر. لكن في المقابل نجد مثلاً من يقدم محتوى مرئي ويُسافر لوحده أو معه شخص واحد أو إثنين، فنجد أنه يستمتع بالسفر لكن أحياناً يشعر بالوحدة، فنجده يملاء فراغه بالكلام أمام الكاميرا مخاطباً آلاف المشاهدين، ففي هذه الحالة دافعه لتلك الرحلة وتخطيه للمصاعب ساهم فيها العدد الكبير من المتابعين والمشاهدين، فكلما كان عدد المشاهدين أكثر كانت صعاب المغامرة تستحق العناء وتسهل لشعوره بروح الجماعة. في كثير من اﻷحيان عندما يعجني محتوى – خصوصاً المرئي- لا استمتع به إلا عندما أشاهده مع غيري من الناس، سواءً العائلة أو اﻷصدقاء، وفي بعض اﻷحيان أعيد ما شاهدته لوحدي لأشاهده مرة أخرى مع الجماعة لأن الشعور يكون مختلف وأثر ذلك المحتوى والتعليقات والتفاعل يكون أكبر. في أحيان أخرى عندما أجد محتوى جيد أتوقف عن مشاهدته وأدخره إلى الوقت الذي أتواجد فيه مع أبنائي فأحفظه لمشاهدته لاحقاً، لكن أحياناً يكون الوقت ضيق مثلاً وليس لديك نشاط آخر أوأن الشخص ليس لديه رفقة وهو لا يريد أن يتعطل عن الاستفادة من المحتوى، في هذه الحال ليس لنا إلا أن نتعاطف معه أو نتعاطف من أنفسنا بأننا وحيدون – وهذا يحدث كثيراً حتى لشخص اجتماعي محاط بالناس- .

بالنسبة للعمل فحسب تجربتي اﻹدارية فإن العمل الفردي دائماً ينتج عنه إحراج للمؤسسة عندما يغيب الشخص الذي يعمل لوحده في هذا العمل أو المشروع ولا يتوفر شخص آخر يحل محله ويعرف كيف كان يعمل زميله الغائب. وكتجربة آخرى في العمل الجماعي أنه كلما كانت هُناك جماعة كبيرة في مشروع يكون التشجيع على الاستمرار فيها أعلى، مثلاً توجد طريقة في البرمجة تُسمى pair programming وهي أن يعمل مبرمجين أو أكثر على برنامج واحد، ويكون شخص واحد هو الذي يكتب في الكمبيوتر والثاني والثالث يشاهدوه ويوجهوه أثناء كتابة البرامج ويفكروا معه وينتبهوا للأخطاء ، فحسب تجربتنا يمكن أن يعمل المبرمج  أربع ساعات فقط في اليوم ثم يمل، لكن باتباع تلك الطريقة الجماعية يمكن أن يستمر ثماني ساعات بدون أن يمل من كتابة البرنامج.

قابلني كثير من المبرمجين ممن لا يحبون العمل الجماعي ولا يحبون أن يكون معهم شخص آخر أثناء كتابة كود البرامج، لكن حسب ما شهدت فإن هؤلاء اﻷشخاص لا يتطورون إدارياً ولا يستطيعون قيادة فُرق برمجية، بل تصبح برامجهم عبئاً على المؤسسات لإنعدام روح الجماعة والاستمرارية فيها، فعندما يترك تلك المؤسسة تموت تلك البرامج والمشاريع التي كان يعمل فيها لأنه لا يوجد شخص آخر شاركهم لذلك لا يحمل هم تلك المشروعات والأنشطة شخص آخر.

الفاصل في هذا الموضوع وهذه الخيارات ليست التجربة فقط، إنما نرجع لنرى ماذا قال الله تعالى و قال رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن. فنجد أن الله تعالى يقول وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ”. فمن رحمة الله ومن نعمه أن ألف بين قلوبنا. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “يد الله مع الجماعة“، وقال ” عليكَ بالجماعةِ فإنَّما يأكلُ الذئبُ منَ الغنمِ القاصيةَ” وهي المنفردة، و في العبادة فإن بعض العبادات يكون فيها الجماعة أفضل مثل الصلاة المكتوبة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفَذِّ بسبع وعشرين درجة” أما صلاة النافلة فهي فردية ويمكن صلاتها في البيت، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ” إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً”، كذلك فإن الصدقات عبادة فردية، والدعاء، بل اﻷفضل فيها اﻹخفاء، والحج من العبادات الجماعية، بل هي أعظم جماعة يجتمع فيها المسلمون.

فنجد حسب ما يوصي به الدين فإن اﻷفضل هي الجماعة، لكن هُناك وقت للفردية في بعض النشاطات حيث يكون أدائها أفضل من أن تكون جماعة.

قرأت كتاباً عن الشبكات وقرأت فيها اقتباساً يقول “أن أهمية الشبكة تزيد بطريقة أُسيّة بزيادة عدد المستخدمين”، لذلك نجد أكبر شبكة هي اﻷكثر قيمة وهي شبكة اﻹنترنت.

يوجد نوع آخر لتأدية النشاطات أو المهام: أن تكون فردية في بيئة جماعية، وهذه عن تجربة، فعندما أعمل في عمل فردي يختلف عندما أكون في البيت أو في العمل، ففي العمل أكون أكثر تشجيعاً واستمراراً منه في البيت. فهذا النوع يمكن تصنفيه بأنه نشاط فردي – جماعي، فتجد أن بعض المقاهي مخصصة للأفراد الذين ليس لديهم مكاتب ويريدون اﻹحساس برسمية العمل المكتبي. ويشابه هذا النوع عكسه: عمل جماعي لكن في انعزال، مثلاً مشروع يعمل عليه أكثر من شخص لكنهم متفرقون كل شخص في مكتب منفصل أو بلد منفصل، فتجد أن به روح العمل الجماعي يُثابر كل شخص أن ينتهي من واجبه الذي أوكل إليه ليشاركه للآخرين.

وصايتي في الخلاصة الاتزام بأفضلية الجماعة لمعظم اﻷنشطة، لكن في النشاطات التي تحتمل اﻷفضلية في النوعين – وهو يريد أن يزيد قيمتها – عليه أن يدرس أيهما أفضل: فإذا كانت الجماعة فاليبحث عن الجماعة، وإذا كان فردياً فيمكنه تأديته فردياً، وإن كان لديه وقت يمكنه تجربة اﻹثنين ثم يقرر أيهما أفضل

كثرة اﻷفكار تمنع إكمال المشروعات

السلام عليكم ورحمة اللهidea-lightbulb1

بعد ما كتبت العنوان تذكرت أني كتبت موضوع مشابه، لكن لا أذكره بالضبط. لكن لا بأس أن نكتب بعد تجارب مختلفة.

لاحظت في اﻵونة اﻷخيرة أنه عندما تكون لدي أفكار كثيرة، فإن تلك اﻷفكار تمنعني من العمل في المشروعات المخططة، مثلاً إذا كان هناك مشروع مخطط له أن أعمل فيه لأكمله هذا الشهر يتأخر بسبب أفكار جديدة أراها أكثر أهمية تستغرق وقتي وتفكيري. كذلك لاحظت هذه المشكلة عند بعض زملائنا. فكلما كان الشخص في بداية مشواره العملي تجده يحرص على إكمال المشروع الذي يعمل عليه ولا يلتفت إلى شيء آخر، مثل ما كان يحدث لنا أيام الشباب.

 كلما يتقدم الشخص في العمر وتصبح لديه مسؤوليات أكبر ويرى أن الوقت أصبح ضيق لتحقيق إنجازات مهمة في مسيرته المهنية، فإن ذلك يجعله يعجز عن إكمال مشروع إذا وجد أن هناك مشروع آخر أكثر أهمية يلوح في اﻷفق. نفس المشكلة تحدث للأشخاص متقدي الذكاء والذين لديهم طموح كبير منذ بدايتهم، فإنهم لا يرضون بتحقيق اﻷقل من اﻹنجاز، دائماً يتطلعون إلى ما هو جديد وما هو مميز، لكن حتى بعد البداية في مشروع جديد ومميز يمكن أن يحدث ملل لمثل هؤلاء اﻷشخاص المميزين أو الذين تقدموا في العمل وكثرت مشاغلهم.

رأيي لتحقيق الهدفين – أكمال المشروعات التي بدأت واللحاق بالجديد- هو: التفويض، خصوصاً مع اﻷشخاص الذين يتقدمون في العمر وفي المهنة، خصوصاً أن الفرصة لديهم كبيرة لتحقيق ما بدؤوه من أفكار عن طريق تفويض ذلك العمل لمن هم أحدث منهم سناً، ثم يتفرغون لمشروعات جديدة لتخطيطها ثم تفويض إنجازها لآخرين، بذلك يمكن ضمان تحقيق أكبر عدد من الإنجازات واﻷفكار في وقت وجيز. خصوصاً أن من يتقدم في العمر تقل مقدرته البدنية، حيث أن جزء كبير من تنفيذ المشروعات وتلك اﻷفكار يكون عبارة عن عمل ميكانيكي إن صح التعبير وليس جهد فكري، حتى العمل الذهني مثل البرمجة في بعض اﻷحيان يمكن أن لا نعتبره جهد فكري وبه أداء ميكانيكي. المجهود الفكري واﻹمكانات الذهنية يمكن أن تكون أعلى – باعتبار الخبرة- عند الشخص المتقدم في العمر والمتقدم في الخبرة في مهنة ما وفي الحياة عموماً.

نفس هذه الفكرة يمكن تطبيقها في البيت مع اﻷولاد، يمكن تفويضهم لعمل أشياء في المنزل بدلاً من أن تضيع وقت بها حتى يكون لديك تفرغ أكثر للأشياء ذات النفع العام.

لكن المشكلة أن بعض هذه المهام بها جانب مرتبط بالهواية، مثل كتابة البرامج لمرمج أصبحت مهمته إدارية، فهل يفوض متعة كتابة البرامج ورؤيتها تعمل في الشبكة مثلاً ويتفرغ هو لمهام أهم لكن ليس بها نفس المتعة. حتى في المنزل أحياناً تكون هناك مهام ممتعة مثل سقي النباتات ورؤيتها تنمو وتزهر، فعندما تفوضها لأبنائك كأنك فوضت لهم هذه الهواية، فتبقى الحاجة لموازنة بين الهواية وبين اﻹنجاز كلما ملت على جانب نقص الجانب اﻵخر.

التطور الطبيعي للمبرمج: العام الثامن

 

السلام عليكم ورحمة الله

fpide_1-0-10_de.png

في إطار اﻹجابة عن سؤال طرحته قبل أعوام عديدة عن ماهية التطور الطبيعي للمبرمج، ومحاولة للإجابة عليه في كل عام، هذه هي تدوينة العام الثامن:

أود الختصار هذه المرة في ملخص عام 2018 أنني بعد كل هذه الفترة الطويلة والتي استمرت زهاء العشرون عاماً في العمل كمبرمج، وتحولي إلى وظيفة إدارية (إدارة شركة برمجة) مازلت أقتطع جزءاً كبيراً من وقتي في العمل الفني: من تطوير برامج، وتحليل، وتحسين برامج وإضافات وإستلام بعض الشكاوى من العملاء وعلاج المشاكل الفنية، ومراقبة المخدمات والبرامج، ودراسة ماهو جديد في التقنية وقراءة اﻷخبار التقنية، وعمل المحاضرات لباقي زملائنا. وهذا الجهد الفني يأخذ  نصف الوقت تقريباً، أي 50% من زمن العمل، حيث كان من المفترض أن يكون أقل من ذلك بعد كل هذه الفترة الطويلة من العمل مثلاً 80% عمل إداري مقابل 20% عمل فني، وذلك حسبما سمعت من بعض الزملاء في شركات أخرى. لكني مازلت أهرب من العمل الإداري للعمل الفني الذي لي رغبة فيه، والذي يدفعني للمواصلة في مجالي للعمل بكد طول اليوم وطول اﻹسبوع.

النصف اﻵخر من اليوم أو من الوقت يكون للعمل اﻹداري، بحيث تتخلل المهام بعضها، حيث أعمل في عمل فني ثم يأتيني بريد مثلاً لموضوع يتم حله إدارياً أو العكس: أكون في عمل إداري ثم يتخلله عمل فني. كذلك توجد أيام يغلبها الطابع اﻹداري وأيام يغلبها الطابع الفني وهي الطريقة اﻷفضل حسب تجربتي.

العمل اﻹداري ليس سيئاً كما يتصوره معظم المبرمجين، هو مثله مثل العمل الفني به إشياء جيدة ومتجدده وبه أشياء روتينية، وبه نجاحات وإخفاقات، وهو يحتاج إلى تدريب ودراسة وإبداع.

الجانب الجيد من العمل اﻹداري لمبرمج هو أنه يتيح لباقي فريقه البرمجي العمل في ما يحبون ويقدم لهم تغطية إدارية كافية لتوفير بيئة مناسبة كما كان يحلم بها هذا الشخص اﻹداري عندما كان شاباً ويعمل كمبرمج، فأنسب شخص إداري يفهم المبرمج هو مبرمج مثله خاض تلك التجارب وكانت له أمنيات معينة في طريقة العمل في المؤسسة البرمجية وطريقة التعامل والتقدير.

بعض اﻷعمال الفنية أشارك في بداياتها لضمان قيامها على أساس صحيح وبمفاهيم جديدة في بعض اﻷحيان ثم إيكالها لغيري من المبرمجين الشباب بعد أن تتضح الفكرة للمواصلة  فيها. هذا يجعلني أركز على أعمال فنية أهم وهي دراسة طرق جديدة ومفاهيم فنية مهمة بدلاً من اﻹنغماس في تفاصيل البرامج وتحولها إلى روتين.

احتفظت ببعض البرامج البسيطة والمستقرة والتي قمت بتطويرها سابقاً لتكون بيئة صالحة للتجارب والتطوير استطيع أن أنفذ فيها اﻷفكار المختلفة لعرضها لباقي الفريق البرمجي، فبدلاً من أن أطلب منهم تبني نظرية معينة ربما تكون غير ناجحة، أقوم بتجربتها بنفسي أولاً، فإذا نجحت أدلهم عليها وأكون مطمئن من نجاحها. كذلك في كثير من اﻷحيان أطلب منهم أن يبحثواً بأنفسهم عن مفاهيم وتقنيات جديدة ثم يعرضوها على باقي الفريق، خصوصاً من اصبحت لديه خبرة كافية منهم.

بعض المهام الإدارية أقوم بإيكالها كذلك للقدماء من الموظفين لتنمية مهاراتهم اﻹدارية ولتوزيع العمل اﻹداري وحتى لا يتوقف العمل اﻹداري عند المدير فقط.

كان أهم حدث في العام الماضي هو اجتماع مطول في آخر يوم من العام قمنا بمناقشة إنجازات كل فرد من الفريق، ومراجعة خطته في العمل والتدريب للعام الجديد، ثم حصر معيقات العمل و معيقات التقدم وطرح حلول لها. والتحدي اﻵن هو تنفيذ تلك الخطة الطموحة في هذا العام بإذن الله.

تحقيق البساطة يحتاج خبرة وعلم

السلام عليكم ورحمة الله

تحقيق البساطة في كافة مناحي الحياة يعني تقليل التكلفة الزمنية والمادية بالإضافة إلى تحقيق اﻷعتمادية، بناءً على القاعدة التي تقول: اﻷكثر بساطة أكثر اعتمادية. لكن تحقيق البساطة تتطلب الخبرة والعلم في المجال الذي يُراد فيه إنجاز المشروع أو تحقيق الهدف بطريقة بسيطة.

نستدل بمثالين لشرح هذا المفهوم: أولهما، نفترض أننا نريد بناء سقيفة للاستظلال مثلاً. فإذا كان من يريد تنفيذ هذا المشروع شخص ليس لديه خبرة وعلم كافيين في البناء، فهو سيتغلب على عدم خبرته بزيادة التكلفة، مثلاً تكلفة اﻷعمدة اللازمة لحمل وتحمل عرش هذه السقيفة، ولمقاومة الرياح، مثلاً يمكن أن يقول أننا نحتاج لعدد عشر أعمدة كل واحد منها بسمك 10 سنتمترات مثلاً، من مادة الفولاذ، أما من لديه خبرة وعلم فبناءً على تجاربه الطويلة في البناء وبناءً على العلم الذي طبقه فيمكنه أن يقول أن ستة أعمدة فقط تكفي لحمل هذه السقيفة، ويمكنها أن تكون من نوع معين من اﻷخشاب اﻷقل تكلفة من الفولاذ، وتكون لديه ثقة كبيرة فيما يقرر، باعتبار أن التقليل في هذه الحال به مخاطرة، لكنه كان ضامناً لعدم حدوث تلك المخاطر.

المثال الثاني: إذا طلبنا من شركة مثلاً تنفيذ جسر على نهر لعبور السيارات، فالشركة التي ليست لديها خبرة سوف تزيد من تكلفة التدعيم حتى لا ينهار هذا الجسر، فتزيد من عدد اﻷعمدة اللازمة لحمل الجسر وتزيد من سمكها ومن المواد التي تُستخدم. أما الشركة التي لديها خبرة في هذا المجال فسوف تقوم بتقليل التكلفة بناءً على الحسابات العلمية وبناءً على خبرتها في الجسور والنقطة التي تفصل بين ثبات الجسر وبين إنهياره. فيمكنها الاعتماد على عدد أقل من اﻷعمدة أو يمكنها أن تصنع جسراً معلقاً مثلاً.

إذاً التعقيد هي سمة من سمات قليلي الخبرة والبساطة هي سمة لمن لديه خبرة وثقة. لكن الخبرة لابد أن تتكون بطريقة صحيحة مع ميول نحو البساطة والعلم، فإذا افترضنا أن شخص ما لديه خبرة طويلة، لكن خبرته قضاها في إنجاز اﻷشياء بتعقيد وليس ببساطة، ففي هذه الحال لا تفيد خبرته هذه في تحقيق البساطة.

يمكننا أن نضيف أن تحقيق البساطة يحتاج إلى موهبة وإبداع.

مجلة ماجد.. أربعون عاماً

السلام عليكم ورحمة اللهMajid

فكرت في كتابة هذه التدوينة اليوم و بعد مروري بالمكتبة التي اشتري منها مجلة ماجد لأبنائي، ووجدت العنوان كما يظهر في الصورة وهو مرور أربعون عاماً لمجلة ماجد، ففكرت في الكتابة عنها بل والدعاية لها لأن قراءتها بالنسبة للأطفال أفضل من أشياء كثيرة تضييع الوقت في هذا الزمن.

المجلات عموماً والكتب بالنسبة للأطفال هي وسيلة جيدة للتعلم واكتساب الثقافة وتحثهم على تمضية وقتهم في شيء مفيد بدلاً من تمضيته في اللعب، خصوصاً من بداية اﻹجازة.

في فترة الإمتحانات وما يسبقها من وقت اعتدت على عدم شراء تلك المجلة حتى لا تشغلهم عن الدراسة، لكن هذا العام فكرت في أن اشتري العدد اﻹسبوعي ثم إخفائه عنهم، إلى أن وصلت إلى أربع أو خمس أعداد مع نهاية آخر إمتحان لهم، ثم فاجئتهم بها، فكانت مفاجأة سارة لهم بعد إنتهائهم من الإمتحانات، فانكبوا لقراءتها.

في الصغر كُنت اشتري مجلة ماجد باستمرار أثناء المرحلة الإبتدائية والمتوسطة، حينما لم يكن هُناك شيء يسمى اﻹنترنت، حينها كنت في السعودية، وفي إحد المرات اشتريت منهم طوابع بريدية، وقد ارسلت لهم بضعة ريالات، لا أذكر بالضبط كم، خمس أو عشر ريالات فأرسلو لي عبر البريد عدد من طوابع الدول المختلفة ما زلت احتفظ بها إلى اﻵن.

بعد رجوعي إلى السودان كُنت قد وصلت إلى الثانوية وتوقفت عن شرائها وقراءتها – واظن أنها لم تكن متوفرة في المكتبات ذلك الوقت-، لكن رجعت لشراءها لأبنائي بعد عقدين من الزمان.

احببت أن اتكلم ايضاً عن استمراريتها وبقائها في السوق طوال هذه المدة وبعد التغييرات التي حدثت في العالم من ثورة رقمية وإنترنت وغيرها من اﻷشياء التي اصبحت تنافس الكتب والمجلات، لذلك تُعتبر هي قصة نجاح تستحق الكتابة عنها. ولا أعتقد أنها مؤسسة كبيرة، بل متخصصة فقط في إنتاج تلك المجلة، لذلك يمكن أن يكون هذا سبب نجاحها، هو أنه متخصصة ولم تتوسع في مجالات أخرى كان يمكن أن تؤثر سلباً في استقرارها.

أتمنى لو زرت أبوظبي أن أزور مقر هذه المجلة العريقة والتي هي معلم من معالم تاريخ الكُتب والمجلات في العالم العربي.

التطور الطبيعي للمبرمج: العام السادس

السلام عليكم ورحمة اللهprogramming

بفضل الله هذا هو العام السادس للإجابة على سؤال ماهو التطور الطبيعي للمبرمج والذي طرحته عام 2011.

عام 2016 كان مثل سابقه فيه توجه أكثر للإدارة مع اﻹستمرار في تطوير البرامج والإشراف على بعضها، مع زيادة التركيز على تسويق بعض منتجاتنا.

كان في هذا العام تحديات إدارية من حيث التوفيق بين تقليل أو المحافظة على تكلفة تطوير البرامج ودعمها للزبائن وبين زيادة دخل الموظفين أو على اﻷقل المحافظة عليها وعلى باقي المنصرفات المهمة والتي تصب في مصلحة العمل واﻹنتاج. فكلما زادت المنصرفات على إنتاج البرامج كلما زاد اﻹنتاج وتحسنت نوعيته. والعمل على تطويرالبرامج يحتاج لاستثمار كبير: فإبتداءً من مرتبات المبرمجين الكبيرة – والتي هي اﻷعلى مقارنة بباقي الوظائف والتخصصات – وإنتهاءً  بشراء أجهزة حاسوب ذات مواصفات جيدة، ومروراً بالتدريب والذي يحتاج إليه كل من يعمل في مجال تقنية المعلومات بصورة دائمة.

من التحديات في عام 2016 أيضاً هو زيادة فرصة ترك المبرمجية للعمل معنا والتوجه إلى شركات أكبر سواءً داخل البلد أو خارجه، وذلك بعد اكتساب خبرة كبيرة، ففي حال لم نستطع الوفاء بدخل يكفي خبرتهم هذه فبالتأكيد سوف يبحوثون عن وظائف ذات دخل أعلى خصوصاً عندما يتقدمون في العمر وتصبح لديهم مهام اجتماعية أعلى من السابق. المرتب ليس هو الشيء الوحيد الذي يجعل المبرمج يرضى عن الوظيفة، فإستمرار التعلم والخبرة هي مهمة أيضاً، كذلك بيئة العمل وطريقة تعامل باقي أفراد الفريق، وتعامل اﻹدارة. لكن من الصعب جداً المحافظة على العمل في أشياء جديدة ومثيرة، حيث أن المشروعات القديمة تستمر لفترة طويلة فيمل منها المبرمج وتصبح حياته العملية رتيبة وتقل معها نسبة زيادة تعلم الجديد. وقد مررت شخصياً بهذه المشاكل بعد مرور خمس أعوام مثلاً في العمل في نفس المؤسسة، وكُنت أتوق دائماً للتغيير والتحديات المثيرة. لذلك لا ألوم من يفكر في ترك الوظيفة معنا بسبب الرتابة والبحث عن الجديد. كذلك لا أنسى أنني ممن لا اشجع الناس على العمل في الوظيفة لفترة طويلة، لكن طبعاً تختلف تطلعات البشر وكل شخص يرى العالم بمنظار مختلف تماماً عن اﻵخر.

ذهبت إلى الجامعة في هذا العام بعد إنقطاع طويل زاد عن العشرة أعوام، حيث كُنت أتابع مشروعات التخرج في السابق، لكن هذه المرة ذهبت للبحث عن خريجين جدد أقوم بتدريبهم واختبارهم للعمل معنا – حيث لا بد أن يوجد في أي مؤسسة تقنية أن تكون لديهم اشخاص جديد ودماء حارة تستفيد من التدريب وتكون بديلاً حاضراً في حال ترك أحد الموظفون العمل-. وقد وجدت أن تدريب شخص جديد على التقنيات التي نستخدمها هي أفضل بمراحل من البحث عن مبرمج قديم ثم إقناعه باستخدام التقنيات والمدرسة التي ننتهجها في تطوير البرامج. حيث أن الخريج الجديد أولاً ليس لديه ما يخسره وله مدخل ممتاز وهو مدخل التدريب، فليس هُناك أي إلتزام لنا من ناحية تعيينه وهو لا يترك وظيفة كان يعمل فيها، كذلك فهو لا يتوقع مرتب عالي، لذلك ههذه  أنسب طريقة للتوظيف : وهي تعيين مبرمجين جدد في شركة برمجية ناشئة.

بعد ذهابي للجامعة في بداية عام جديد لم أجد أحد من الخريجين الجدد، لكن اقترح علي بعض اﻷساتذة أن أقوم بطرح مشروعات تخرج واﻹشراف عليها، وبهذه الطريقة أكون اكثر قرباً للخريجين لفترة تمتد قرابة العام، فقمت بذلك واقترحت مشروع متعلق بمنصة اﻹتصالات Asterisk وقمت فعلاً بالإشراف على هذا المشروع وقد قمت بإرشاد الطلاب لكيفية البداية وطريقة عمل ذلك المشروع، والجدير بالذكر أن اﻹشراف لم يأخذ مني وقت طويل، فقد كانوا -بفضل الله- من الطلبة المجتهدين والمعتمدين على أنفسهم في التعلم، وكانت لديهم خبرة برمجية معقولة قبل بدايتهم لهذا المشروع، وقد استفدت منهم بعد أن اسخدموا تقنيات جديدة لم أكن استخدمها في Asterisk. لذلك كانت اﻹستفادة للطرفين، كذلك قررت اﻹستمرار في طرح مشروعات تخرج ومتابعتها لإفادة الطلبة والجامعة ولكي أستفيد أنا أيضاً من الطلبة ومن الجامعة. كذلك فقد تابعت بعض المشروعات اﻷخرى التي لم أكن اشرف عليها فقامت الجامعة بتعيني قارئاً لأبحاث مشروعات أخرى، فكان هذا العام به نوع جديد من المهام الأكاديمية، وقد كانت مهمة شيقة وقد حدثت تغييرات كثيرة في طريقة كتابة البحث، وطريقة تقديم المشروع مما اعتد عليه قبل عشرات الأعوام. وأرى أن يكون هناك تمازج بين المجتمع العملي واﻷكاديمي حيث أن كل واحد منهما يكمل اﻵخر، كذلك فهي طريقة لأداء ضريبة التعليم لكل شخص تخرج من جامعة أن يعود إليها بعد اكتساب الخبرة، يمكنه أن يعود للتدريس أو للإشراف ومساعدة الطلاب في مشروعاتهم المختلفة. أو حتى لو عاد إليها لدراسة الماجستير او الدكتوراه فهذه يمكن أن تُعتبر إسهام في مشروع التعليم في الجامعة. ومن الجدير بالذكر أن هُناك نقص ليس بهين في هذه المهام الإشرافية بسبب قلة اﻷساتذة أو لإنشغالهم بمهام كثيرة أو لقلة خبرتهم العملية، فتقوم الجامعات بالتعويض ن هذا النقص بزيادة أعباء اﻷستاذ الواحد بتكليفه بعدد كبير من المشروعات، وهذا بالتأكيد يقلل من نوعية المشروعات.

هذا العام ركزت فيه أكثر على جانب مهم وهو التصميم الداخلي للبرامج والطرق المثلى لكتابة الكود ضمن مظلة هندسة البرمجيات، فبعد أن تصبح المشروعات كبيرة تتعقد، وفي حال لم يكن التصميم الداخلي لها جيد ومكتوب بطريقة علمية وعملية مثلى، يُصبح وحشاً يصعب ترويضه ويصعب التخلص منه، فنكون قد أضفنا للزبون مشكلة جديدة بدلاً من أن نساهم في حل مشاكل لديه. كتبت عدة أوراق اصبحت كلوائح لكتابة البرامج لدينا في الشركة، وقد كتبت مقالات أيضاً في المدونة العام الماضي عن هذا الموضوع أولها هو مقال طريقة البرمجة الصحيحة. في الحقيقة أصبحت الطريقة الصحيحة للبرمجة هي شغلي الشاغل في العام الماضي وسوف تكون كذلك العام الحالي بإذن الله، فإما أن نكتب برامج بطريقة صحيحة أولا نكتب برامج على اﻷطلاق.

بالنسبة لتطوير البرامج فمازلت اعمل على بضع مشروعات متنوعة التقنيات: حيث تتضمن خدمات ويب وبرامج ويب وبرنامج سطح مكتب وهو نظام الحسابات المالية. اﻹستمرار في تطوير البرامج يدفع إلى تعلم تقنيات جديدة واستخدام طرق أفضل، لذلك كان أحد النواتج هو كتابة ونشر اﻹصدار الثاني من كتاب رحلة استكشافية للغة البرمجة جافا، حيث قُمت بالتركيز هذه المرة على الملفات وسلاسل البيانات streams وطرق التعامل المختلف معها بعد أن صارت أوضح بالنسبة لي بعدما استخدمتها مؤخراً بصورة مكثفة في البرامج المختلفة. كذلك كتابة البرامج هي أداة ممتازة لكتابة أوراق جديدة ومقالات عن التصميم وهندسة البرمجيات، حيث لا أريد أن أكتب مقالات عن شيء لم أجربه ولم ينجح عميلاً، لذلك كما قلت سابقاً لابد من المزج بين المجال العملي واﻷكاديمي أو العلمي.

في الآونة اﻷخيرة أصبح لدي شغف حول الشبكات بدأت بمشكلة في أحد برامج الويب التي طورناها حيث حدث اختناق في الشبكة، فقمت بشراء كتاب عن الشبكات اسمه the art of computer networking وهو كتاب رائع تكلمت عنه في تدوينة سابقة. لكن هذا العام طلب مني المبرمجون أن أقوم بتدريسهم الشبكات بشكل عملي حيث لايرغبون في حضور كورس أكاديمي مطول وهم لديهم خبرة جيدة في الشبكات لكنهم يريدون تطويرها، فقمت بعقد ورشة ليوم واحد تجمع بين العملي واﻷكاديمي، حيث قمنا بتغطية مفهوم الشبكات وطبقات الـTCP  والفرق بين البروتوكولات المختلفة، و وظيفة كل طبقة، ثم قمنا بعمل تجارب عملية إبتداءً بتوصيل جهازين بكيبل، ثم استخدام switch للربط بين اﻹجهزة ثم استخدام router وربط أكثر من شبكة وعمل NAT و port forwarding، ثم انتهت عن الكلام عن الـ socket وعمل تجارب محادثة بين جهازين.

بالنسبة لباقي الفريق الذي يعمل معنا فقد زادت خبرتهم البرمجية والتحليلية، كذلك اصبح لديهم بعض الخبرة اﻹدارية والتي تظهر في اﻹجتماعات مع الزبائن وفي طريقة كتابتهم للمراسلات المختلفة وكتابة التوثيق للبرامج المختلفة.  لكن يختلف مستوى التطور بين شخص وآخر حتى إذا كانت نفس البيئة ونفس المشروعات، والتحدي اﻹداري هو كيفية اﻹستفادة من كل شخص لديه ميول وطبيعة مختلفة. اﻹستمرار في كتابة البرامج والعمل الفني ضمن الفريق بالنسبة للإداري مفيدة جداً في تقييم الموظفين ومعرفة إمكاناتهم لاستخدامها بأفضل وجه، كذلك لتطويرها والعيش معهم في المشاكل التقنية التي تواجههم.

ختاماً لم يحن الوقت بعد بأن أترك شغف البرمجة وتطوير البرامج حتى مع زيادة المهام اﻹدارية. فالبرمجة بدأت كهواية والهواية ليست لها عمر معين حتى يزول شغفها، وأريد أن أكون مثالاً عملياً لباقي المبرمجين لمن يفكر أو يخطط ويسأل نفسه: هل من اﻷفضل أن أتوقف عن البرمجة وأصبح إداري، ومتى وكيف أتوقف.

المبرمج الحقيقي لا يحب الكتابة

السلام عليكم ورحمة اللهpapers

لاحظت من عدد من المبرمجين – خصوصاً المتميزين منهم- أنهم لا يحبون الكتابة، مثل كتابة بريد الكتروني، أو حتى توثيق البرامج التي قاموا بتطويرها. كذلك فإنهم لا يحبون الاجتماعات وكل اﻷنشطة التي يعتبرونها إدارية لا تخصهم، وأنها تعيقهم عن العمل، وأن تطوير البرامج وتجربتها وتشغيلها يأخذ كل الوقت، وهم يعتبرون أن هذا هو اﻵهم، أن يكون لديهم برنامج يعمل نهاية اليوم، أما ماعداه من أنشطة فهي تأخير لمثل هذه اﻹنجازات. لا أعرف بالضبط عن باقي التخصصات، لكن افترض أن لديها نفس الشبه.

اﻷنشطة اﻹدارية – رغم أهميتها- إلا أنها لا تستهوي الفنيين والمهندسين حديثي التخرج، لكن مع مرور الوقت والحاجة لأن يترقوا إلى مسؤولية إدارية أعلى ويصبحوا مسؤولين عن أفراد أحدث منهم، فإن الحاجة إلى الكتابة تزداد، ولا بد أن تتطور لديهم هذه المهارات كمهارة التواصل، واللغة. بعض المؤسسات تستعين بشخص تكون مهمته هي التوثيق لتلك البرامج، لترك المبرمج يأخذ حريته كاملة في كتابة الكود، لكن هذا يجعل منه مبرمجاً فقط طوال الوقت، ويمنعه من أن يصبح قائداً، فمن أهم سمات القائد هو قدرته على التواصل مع باقي الفريق والتعبير عن نفسه وعن إنجازات ذلك الفريق.

عدد كبير من المبرمجين ذوي الخبرة الطويلة لا نسمع عنهم، ليس لديهم مدونات، ليس لديهم كُتب، وليس لديهم أي نشاط يُذكر في الشبكات الاجتماعية، فمجرد ما بدأ المبرمج بالكتابة سوف يقل انتاجه البرمجي، خصوصاً إذا اصبحت الكتابة مهنة أو ضرورة مهنية في وضعه الوظيفي الحالي.

الكتابة والبرامج والتواصل هي من الأشياء المكملة لبعضها فلابد أن يكون هُناك توازن بينها وتختلف نسبتها حسب الوضع الوظيفي لأي فرد، فإذا بدأ المبرمج بالكتابة والتعبير عن نفسه وعن مشروعاته في وقت متأخر من حياته المهنية، فإن هذا سوف يجعله متأخراً عن باقي زملائه ويحتاج لوقت حتى يتقن مهارة الكتابة والتواصل.

تقنيات ليست لنا

السلام عليكم ورحمة اللهTelevision

كُنت أتصفح قبل قليل موسوعة كُنت قد اشتريتها لأبنائي، أسمها موسوعة الاختراعات، وهي مترجمة لكاتب غربي، في احد المقالات تكلم عن أن التقنية تم اختراعها لعدة أسباب منها أن لا نشعر بالوحدة أو الملل، ففكرت أن أهداف الغرب لاختراع التقنية تختلف عن أسباب استخدامنا لها، لذلك ظهرت هُناك المشكلة. فإذا كانت التقنية يتم تطويعها وتشكيلها لتناسب احتياجاتهم الخاصة فلماذا نقوم بنقلها كما هي ونُبادر استهلاكا دون أن نعرف اﻷسباب الحقيقة وراء هذه الاختراعات!

اصبح استخدام التقنية واستهلاكها وحتى اختراعها جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية، واصبح لها أثر كبير على كل شيء ابتداءً بالتربية والتعليم، ومروراً بالعمل والعلاج والتغذية، والترفية، وانتهاءً بالعبادة التي لاقت نصيب كبير من هذه التقنية. للأسف كثير من الناس يستخدمون هذه التقنيات المختلفة على علاتها دون مراعاة لفروق اﻷهداف في الاستخدام، فإذا كان الشخص الغربي يشكو من فراغ ووحدة ويريد شيء يملاىء له هذا الفراغ بغض النظر عن أنه حلال أو حرام، فهل نقوم نحن باستخدام هذه التقنية دون مراجعة لأثر هذه التقنية في أخلاقنا؟ المسلم ليس لديه وقت فراغ فوقته كله عبادة وعمل، حتى النوم يمكن أن يكون عبادة أو أداة للاستعانة على العبادة والعمل. كذلك لا يمكن أن يشكو المسلم من الوحدة، حيث أن النظام الاجتماعي اﻹسلامي يختلف عن النظام الغربي اختلافاً جذرياً.

اﻷجهزة الحديثة مثل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية ومستقبلات القنوات الفضائية ومواقع اﻹنترنت مثل والـ youtube، كان لها أثر سلبي كبير جداً على أخلاق كثير من الشباب وعلى تحصيلهم العلمي، بل حتى على الوظيفة. ولم يكتفي المستهلكون لهذه التقنيات من المسلمين باستخدامها فقط، لكن روجوا لها، فأصبحت حديث المجالس. بالنسبة لي أصبحت استطيع تمييز الشخص المنتج من الشخص غير المُنتج – نسميه غير المُنتج في هذه المقالة، وهذه تسمية علمية، لكن يمكن أن تسموه ما شئتم- يمكن تميزه بواسطة كلامه عن التقنيات، حيث تجد بعض اﻷشخاص يتكلمون مع بعضهم: هل قرأت هذه النكتة ، وهل شاهدت هذا المقطع، هل تريدني أن أرسله لك بالواتس آب –  وللأسف كلها أشياء لا تزيدنا بشيء نافع لكنها أصبحت شغل الناس الشاغل ومضيعة للوقت الذي يُفترض به أن يكون أثمن شيء عندنا. الشخص المُنتج تجده ليس لديه وقت لهذا الهُراء، لا استطيع أن أُسميه غير هذا الاسم. حتى الغرب ربما لا يستخدمون هذه التقنيات لإشاعة الهُراء بينهم. وقد قرأت مرة أن إستيف جوبز مؤسس شركة أبل، عندما سؤل مرة في لقاء عن اﻵيباد، ماهو رأي أبنائه فيه، قال لهم أنهم لا يستخدمونه وأنهم لديهم تقنيين لاستخدام التقنية لأبنائهم، فهل نحن نقنن استخدام التقنية لأبنائنا أم نترك لهم الحبل على الغارب.

اصبح من اﻷشياء المنكرة عندنا هو عدم حمل هاتف ذكي، وعدم شراء ألعاب فيديو لأبنائك، وعدم شراء جهاز قنوات فضائية. تخيل اصبح مما ينكره البعض عدم حمل هاتف ذكي مليء بالهراء، في الحقيقة لا يأتي مليئاً بها، لكن بعد إضافة عدد من اﻷشخاص الذين لا تستطيع الفكاك منهم يمتليء هاتفك بمثل هذه اﻷشياء المزعجة. قبل عدة اشهر سرق لص هاتفي، ومن الحسنات التي كسبتها هو فقداني لكل اﻷرقام التي كانت محفوظة فيه على مر السنين ونقلتها من هاتف إلى هاتف ومن شريحة إلى شريحة، اﻵن فقدتها كلها، وكلمني بعضهم أني كان لابد أن أقوم برفعها في قوقل أو في غيره من التقنيات التي توفر عدم خصوصية للمستخدم. لكن كنت أنظر نظرة أخرى أني يمكن أن أبداء بداية جديدة مع هاتف جديد ليس فيه ألا أرقام زملائنا في العمل وبعض اﻷصدقاء المقربون. وقد سمعت مرة أنه ليس من الصلاح أن يكون لديك عدد كبير من اﻷصدقاء أو من اﻷخلاء. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، حيث كان صديقه وخليله هو أو بكر الصديق، كذلك لم اسمع عن الصالحين وممن كانت لديهم أثر كبير في العلوم المختلفة أنهم كانوا اجتماعيين، على اﻷقل ليسوا اجتماعيين كما هو الحال لمن لديهم فراغ اليوم و يتباهون بأن لديهم عدد كبير من ألأصدقاء في شبكتهم.

استعجب ممن لديهم وقت فراغ، واستغرب أكثر ممن يقول أنه يحاول قتل الوقت، فكما قال الحسن البصري:يا ابن آدم إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك. فكأنما يريد هذا الشخص الذي يريد قتل الوقت أن يقتل جزء من نفسه.